الأحزاب والتنظيمات في عهد الإمام المهدي “عليه السلام”

1٬012

العَمل والحراك والتنظيم الإسلامي في عهد الظهور

بقلم / أحمد رضا المؤمن

يُمكن تقسيم هذا المحور إلى قسمين :

أ/ الأحزاب والتنظيمات قبل الظهور (الغيبة الكبرى)

ففي هذا العهد والذي نعيشه الآن راجت أفكار سلبية بين المسلمين ضد أي فكرة لقيام أي دولة إسلامية أو تنظيم إسلامي بدعوى أن كُل راية تظهر قبل الإمام المهدي “عج” هي راية ضلال !

لقد عانى كبار المراجع والعُلماء والفُقهاء العاملين من هذه الإشكالية التي يطرحها أصحاب (الإنتظار السلبي) القائم على الأركان الثّلاثة :

ـ وجوب التقيّة الصارِم بلا حدود ولا إستثناء

ـ حُرمَة إلقاء النّفس في التهلُكة (التضحية)

ـ رفض أيّة رايَة هاديَة تَقوم قَبل رايَة الإمام المنتظر “عج”

فالعمل التنظيمي والحزبي السياسي في الوسط الإسلامي كان ولم يزل يُعاني من النظرة السلبية والتعامل معهُ على أنهُ عمل أناني ، ولم تتغير هذه النظرة إلى اليوم رغم أنها خفت وضعف صوت أصحابها كثيراً خصوصاً مع بروز عُلماء ومُفكرين إسلاميين أسّسوا هُم أنفُسَهُم أحزاباً كما حَصَل في حزب الدعوة في العراق ، بل وصل ببعض العلماء كالعلامة الشهيد السيد محمد حُسين بهشتي أنه كان يردد مقولته الشهيرة (الحزب معبدي) إيماناً منه بأن الطاقات والحراك البشري يجب أن يكون موجهاً ومُنظماً وهادفاً وليس مُشتتاً .

وبطبيعة الحال فإنهُ لا يُمكن تحقق الأهداف مَهما كان نوعها سياسياً أو إقتصادياً أو مع تَشتّت الجهود والخُطط والبرامج والأهداف والرؤى والأساليب .. إلخ إنّما يَجب توجيه الطاقات نحو خطة وبرنامج سياسي يتم تبنيه والعمل عليه بعد أن يَحصل الإقتناع والإلتزام والإخلاص لما يُقدمه الحزب أو التنظيم للشعب .

والشهيد الصدر الثاني “رض” في موسوعة الإمام المهدي “عليه السلام” يؤكّد على هذا المعنى في وَصَفَ (العصائب) وَدَورَهُم التنظيمي والحركي قائلاً : (ومن هُنا نَطَقَت الروايات التي سَمعناها وغيرها بمدحهم والثناء عليهم , فَهُم “رجال مؤمنون عرفوا الله حق مَعرفته”وهُم “رُهبان باللّيل ليوث بالنهار” وهُم “خير فوارس على ظهر الأرض , أو من خير فوارس على ظهر الأرض” وهُم أيضاً “أبدال الشام” و”عصائب أهل العراق” و”النجباء من مصر” .

كُل ذلك بإعتبار أهميتهم التي إكتسبوها من التخطيط العام السابق على الظهور . وأما أهميتهم : بإعتبار ما سيُشاركون به تَحت إمرة القائد المهدي “ع” من غزو العالم بالعدل وإقامة الدولة العالمية العادلة , ومُمارَسَة الحكم في مَناطِق الأرض المختلفة , كما سَيأتي … فحدث عن هذه الأهمية ولا حَرَج , فإنهُ الهدف الذي وُجدوا من أجله وكرس التخطيط العام السابق من أجل تنمية قابلياتهم عليه)([1]).

ومن ثُم تَكَلّم “رض” عن عَصر الفتن والإنحرافات ذاكراً : (إن الملجأ لا يَنبَغي أن نَفهَم مِنه خصوص المكان المنزوي أو البعيد , بل نَفهَم مِنهُ كُل مُنقِذ من الفتنة وما هو مُبعِد عنها . ومن المعلوم أن الإرتباط بأهل الحق , وإتّخاذ العمل الإسلامي , خير مَلجأ ضِد تَيارات الفتن والإنحراف)([2]) .

ثُم تَحدث “رض” عن السُفياني ذاكراً جماعة أهل الحق : (فإنني أود أن أقول : أن مفهوم السُفياني([3]) يُعبر عن آخر حُكم مُنحرف للمنطقة قبل ظهور المهدي “ع” ويُمكننا أن نَصِف هذا الحكم مِما ثَبَتَ لَهُ من الصفات , كدخول سوريا والعراق تَحتَ حُكم واحد أو مُتَشابِه([4]) , وَحِقده على أهل الحق , وإرساله الجيش ضِد المهدي ) أو ضِد جماعة من أهل الحق المخلصين يكون المهدي “ع” موجوداً فيهم بعنوان آخر غير حقيقته)([5]) .

وذلك كُله إن دَلّ على شيء فإنما يدل على أن طبيعة فئة العصائب في زمن الغيبة الكبرى هي “طبيعة تنظيمية” يتحركون ويتفاعلون على أساسها ويهيئون للظهور الموعود وهو هدفهم “التنظيمي” العقائدي الأعلى .

ب/ الأحزاب والتنظيمات في عصر الظهور

لعل من المفيد هُنا عرض ما توصل إليه الكاتب الإسلامي “سعيد العذاري” في كتابه (معالم الحكومة في عصر ظهور الإمام المهدي “ع”) من تصنيف للأحزاب والتنظيمات وخصوصاً السياسية في حكومة الإمام المهدي “ع” حيث صنفها وفق الأصناف التالية :

1/ الأحزاب المعادية للإسلام وللإمام المهدي “ع” .

2/ الأحزاب المخالفة للإسلام وللإمام المهدي “ع” في العقيدة والرأي .

3/ الأحزاب الإسلامية المخالفة للإمام المهدي “ع” .

4/ الأحزاب الموالية والمرتبطة بالإمام المهدي “ع” .

فبالنسبة للأصناف الثلاثة الأولى فلا يُمكن وجودها في عهد الإمام “ع” لإنحسار الكُفر والإنحراف والفساد بسبب جميع الإطروحات الفكرية السياسية والإجتماعية فلا يوجد مُبرر حينها لتأسيسها أو إستمرارها في العمل والحركة بعد أن تتنعم الإنسانية بالأمن والسعادة والرفاه وبعد حصولها على حقوقها وحاجاتها وطموحاتها بحيث لن تتفاعل مع أي حزب أو تنظيم ولن يبقى مجالاً للشعارات البراقة لتؤثر على العقول والقلوب بعد أن حققت لها حكومة المهدي “ع” كل شيء . بالإضافة إلى أن الظروف والأوضاع لا تشجع أحد على تحدي إرادة الإمام المهدي “ع” وإرادة أتباعه من أجل تشكيل حزب يتبنى مُعاداة الإسلام والإمام المهدي “ع” ، ولعل الجميع يستسلم للأمر الواقع أما خوفاً أو قناعة ويتخلى عن عداءه ويذوب في حكومة الإمام “ع” أو يُقاتلها فيُقتل .

ولا يُتصوّر وجود حزب إسلامي يُخالف الإمام “ع” لأنهُ يخرج موضوعاً عن الإسلام من ناحية ، ومن ناحية أخرى ما هي المصلحة في مُخالفة الإمام “ع” وهو الإمام المُفترض الطاعة من قبل الله تعالى ، وهو الذي جاء ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً وعلى جميع التقادير فلا وجود لمثل هذا الحزب أو ذلك التنظيم أو تلك الجماعة .

أما الأحزاب الموالية للإمام المهدي “ع” فمن المُمكن التصور أنها إبتداءً ستتقدم إليه بطلب لإجازتها ، وهو “ع” يٌبرر ذلك والأمر عائد إليه([6]) .

وإبتداءً ومن الناحية النظرية فإنهُ لا يوجد دليل للإثبات أو النفي يتعلق بإجازة مثل هذه الأحزاب لأن الإنسانية مُبتنية بعد هذه التربية على التنافُس المشروع من أجل تحقيق أهداف الإسلام فلا دليل على منعها أو السماح لها والأمر حينها موكول إلى رأي وقرار الإمام المهدي “ع” نفسه .

 ويُمكن القول أن الحاجة إلى الأحزاب ستنتفي لأن ما يُحققه الإمام المهدي “ع” من إنجازات لا تتمكن الأحزاب من تحقيقها ، إضافة إلى وجود جهاز إداري وسياسي وإجتماعي وإقتصادي مُنظم ومُتكامل يكون بديلاً كل جهاز أو كيان أو وجود في تحقيق الأهداف .

وستقوم المؤسّسات التابعة للحكومة المهدوية بأداء جميع الأعمال والفعاليات والنشاطات التي تروم الأحزاب والتنظيمات أداءها .

وهُنالك محافل وأوساط وَوَسائل ووجودات أعمق وأشمل وأوسع من الأحزاب في التأثير على الناس وفي إنجاز الأعمال ، فصلاة الجماعة مثلاً والتي تقام عدة مرات في اليوم أكثر تأثيراً من اللقاءات والإجتماعات الحزبية ، وصلاة الجمعة أكثر تأثيراً من الإجتماعات الحزبية الإسبوعية ، ومؤتمر الحج السنوي بإمامة صاحب الزمان “ع” أو من ينوب عنه أكثر تأثيراً وفاعلية من مؤتمرات الأحزاب التي تعقد سنوياً أو خلال عدة سنوات .

ولذا فمن المرجح إنتفاء الحاجة إلى الأحزاب في عصر الظهور والحكومة المهدوية وأن إنجازات الإمام المهدي “ع” لا تبقي للأحزاب أي دور أو فائدة في حركتها الفكرية والسياسية والإجتماعية([7]) .


[1]  إنظر : تأريخ ما بعد الظهور ، الشهيد السيد مُحمد الصدر ، ص267

[2] إنظر : تأريخ ما بعد الظهور ، الشهيد السيد محمد الصدر ، ص267

[3] يُخضِع حُجّة الإسلام والمسلمين الشيخ قيس الخزعلي في محاضرة له في شباط 2014م موضوع (السفياني) إلى عقيدة (البداء) التي يؤمن بها المسلمون الشيعة الإمامية من إمكانية حصول البداء وإحتمالية وقوعه أصلاً في هذا المورد بناءً على الآية الكريمة [لا يغير الله ما بقوم حتى يُغيروا ما بأنفسهم] والتي تشير إلى حصول التغيير عندما تقوم الأمة أو الجماعة بتغيير ما بنفسها من أحوال أو صفات بحيث يُمكن أن يذهب الشيعة بأنفسهم إلى موطن السفياني ويقتلونه في عُقر داره بدل إنتظاره لحين أن يأتي إليهم ويفعل بهم ذلك كما نَصّت بعض الروايات .

[4]  وهذا الأمر لم يعُد غريباً علينا بعدما رأيناه من إعلان قيام ما يُسمى بدولة “داعش” أي (الدولة الإسلامية في العراق والشام) على يد خوارج هذا الزمان من عُملاء الموساد والإستكبار العالمي فأصبح إمتدادهم يشمل مناطق من مثل الرقة ودير الزور في سوريا ، والموصل وصلاح الدين في العراق .

[5]  إنظر : تأريخ ما بعد الظهور ، الشهيد السيد محمد الصدر ، ص267

[6]  أنظر : معالم الحكومة في عهد ظهور الإمام المهدي “ع” ، سعيد العذاري ، ص120

[7]  إنظر : معالم الحكومة في عهد ظهور الإمام المهدي “ع” ، سعيد العذاري ، ص121

التعليقات مغلقة.