الأيادي الخفية ومسار الأحداث في العالم

569

الأيادي الخفية ومسار الأحداث في العالم

بقلم / نعمة العبادي

يرى المراقب الدقيق لأحداث العالم وعلى إمتداد التأريخ وخصوصاً في القرون الاخيرة المنصرمة ، أن هناك تدبير وجهد منظم (ظاهر أو خفي) ، يقف خلف صياغة مُعظم الأحداث الكبيرة التي كان لها أثراً بالغاً على العالم والمُجتمع .
تختلف زوايا النظر لهذا التاثير من حيث (مشروعيته ، وحجمه ، وأثره ، وخياراته ، والغايات والاهداف التي تقف خلفه ، طببعة الادوات التي يستعملها ، آليات التعاطي معه) ، ويغلب تفسير وجود (مؤامرة) تقودها قوى عُليا ، ذات نفوذ فوق إعتيادي ، تملك مقادير مُعظم وسائل التأثير في العالم ، ويَختلط في دواعي توجهاتها (الآيدلوجي) بـ( النفعي) ، و(السياسي) بـ(الديني) ، و(الثقافي) بـ(العسكري والامني) ، وهي مظاهر تعقيد تتزايد وتتداخل ، تجعل عملية التفسير وفك الرموز مستعصية تماماً في بعض الحالات .

في عام 2012 ظهر فلم كندي قصير يستعمل الدمى والموسيقى دون أن يحوي على أي حوارات بإسم (أنا الماعز الأليف) ، من تأليف وإخراج وتحرير لويس ليفبفر .

يعرض الفيلم تعليقًا على المجتمع والسياسة الأمريكية ، وخاصة جداول أعمال الرئيسين جورج بوش وباراك أوباما ، مع تلميحات إلى لاهوت الكتاب المقدس والصور المصرية في بيئة ما بعد نهاية العالم و العنوان عبارة عن إشارة إلى The Pet Goat (يشار إليها غالبًا باسم My Pet Goat) ، وهو كتاب الأطفال في مدرسة إيما بوكر في ساراسوتا بولاية فلوريدا ، والذي قرأه الرئيس بوش في وقت هجمات 11 سبتمبر التي انتهت بالقول “المزيد قادم” ، وقد أشار الفلم الى حريق كنيسة تفسر على أنها كنيسة نوتردام ، كما تضمّن حشد عظيم من رموز وألغاز إختلفت وجهات النظر بربطها وإستنياط ما ورائها من دلالات ، ويُمكن ملاحظة إرتباط أجزاء غير قليلة من هذه الرموز بما يُسمى بالماسونية .
ولأجل تكوين صورة تحليل تشكل إطار لمفاتيح لهذا العمل المُطلسم ولغيره من أعمال لا بد من الإشارة إلى :
– أن الفن والإعلام في الغرب وفي أمريكا على وجه الخصوص إنخرط مُبكراً في لعبة صراع السياسية والآيدلوجيات ، وقد كان لرأس المال صاحب المقاصد المحددة ، دوره البالغ في صياغة شكل ومضمون وتوجهات المنتج في حقلي الفن والإعلام ، وَلَعب هذان الحقلان دوراً كبيراً في صياغة المشهد الكلي للعالم عبر نتاجات لها أثرها البالغ ، وحرصت اطراف بعينها على السيطرة على هذه القطاعات ، كما أن شواهد كثيرة أشارت الى ان هناك نتاجات فنية او اعلامية حملت رسائل خاصة كانت وسيط فيها للسياسة والدين وتوجهات فلسفية وفكرية واقتصادية معينة،. لعبت دورا مهما في تشكيل وعي مقصود باتجاه هذا الموضوع او ذاك، ويصنف فلم انا الماعز الاليف ضمن هذا السياق.
– على الرغم من العدد الكبير من الكتابات، والمعلومات المسربة والمكشوفة، المتعلقة بحقيقة الماسونية،إلا ان هناك الكثير الذي لم يعرف ولم يكشف ولم نعثر على تفسير متكامل ودقيق فيما يتعلق ب (غاياتها، ومساحة تاثيرها، والاطراف والجهات التي ورائها، وحقيقة ما يقال عنها، والاجزاء غير المعلومة منها ، وصلتها بالوقائع والاحداث المهمة في العالم ، بل التفسير الحقيقي لهذه التسمية وما تتضمنه من اسرار) ، ويزيد من حالة الالتباس كثرة توظيف الرمز في ثقافة وتوجهات هذه المنظومة ، وتشير معظم الدراسات الى اعتناء متفرد لتلك الرؤية بصياغة رموز مشحونة بتأويلات خاصة لم يطلع على البعض منها إلا القلة ، ولهذا تشكل الرمزية في جميع الاعمال التي لها صلة بالماسونية تحدي مضاف يعقد عملية التفسير ، ويُعدد من خيارات التأويل ، ويراكم من حالة القلق حول المشار إليه .
– في ذات السياق تهتم أدبيات الماسونية بصياغات مُحددة لمسيرة حركة العالم ، ونهاياته ، وطبيعة الاحداث التي ينبغي أن تشكله هذه النهايات ، وموقعها في صياغة المشهد المناسب لرؤيتها والمتناغم مع اهدافها ، ويحضر مفهوم الشيطان والشر والدمار والخراب ، بشكل مكثف في صور النهايات المقترحة لهذه الرؤية .
– توجد هيكلية تعرض علاقة تراتبية اي نسق يتدرج من اعلى الى ادنى ، تشهد وتدلل عليها آلاف الحوادث والشواهد، على الرغم من محاولات نفيها او عرضها بصيغ اخرى اقل تراتبية، وتتمثل هذه الهيكلية في علاقة ترابطية فيها نحو من الفوقية والتحتية بين (اسرائيل الفكرة والدولة) و(امريكا الدولة والامتداد) ، وهذه الهيكلية ترى بأن مكانة اسرائيل من هذه العلاقة مكانة العقل او الموجه او الروح او المالك والمهيمن على امريكا (الدولة والامتداد) ، وهذا الجزء الظاهر من الهيكلية ، وأما الجزء الخفي فهو المتعلق بالعلاقة بين (الماسونية فكرة وقيادة) و(اسرائيل الدولة والامتداد) ، وبناء على هذه الصياغة، فإن الماسونية متمثلة بفكرتها الكلية وقادتها الكبار ، هم العقل المدبر الاعلى لاسرائيل الدولة والامتداد ، وهذه الاخيرة هي العقل والمدبر لامريكا الدولة والامتداد ، ولهذه الهيكلية صلة وثيقة بانتاج النسخة المعدلة المسماة بالمسيحية الانجيلية التي هي على خلاف تام مع المسيحية المعروفة ، فالبروتستانية التي تمثل دين اغلبية الانكلو – سكسون ، هي صياغة مطوّرة وفقاً لمُتطلبات الماسونية ، كما أن هيكليات سياسية وإقتصادية وإجتماعية وثقافية تمت في ظل هذه التراتبية .
– مع التسليم بهذه الهيكلية يصبح تفسير الاحداث التي يشهدها العالم وخصوصاً منطقة الشرق الاوسط من حروب وصراعات وانقلابات وتظاهرات ، وفقر وازمات مالية ، وصفقات ، وانزياحات فكرية وثقافية ، وتشكلات اجتماعية ، لا بد ان يتم قرائتها في ظل توجهات تلك الهيكلية ومراداتها ، ويسهل في ظل هذا الفهم تفسير قضايا مُعقدة مثل الارهاب وظهور جماعات مثل داعش ، وسقوط الانظمة ، واسرار التجارة العالمية ، والمشكلات المتعلقة بالمنظومة الاخلاقية .
وبعد هذا التفكيك التحليلي ، يقفز السؤال الاهم في هذا النص : هل أن فلم (أنا الماعز الأليف) يطرح حتمية مُخططة تمثل خارطة لسير العالم لا بُد من القيام بها خدمة لتوجهات وأغراض الجهات التي يرمز لها هذا الفلم ؟
والسؤال الاسبق منه : هل أن هُناك تدابير وإستراتيجيات واقعية لجهات من أبرزها الماسونية تقدم خرائط حتمية للسلوك العالمي لا بد من أن تَتَحَقّق من أجل تحقيق أغراضها ؟
وَكَم هي القُدُرات الواقعية لهذه الجهات لكي تنفذ اهدافها ؟ ومع هذه الصورة ، هل يوجد فهم ووعي واستعداد أو مُحاولات استعداد للجهات المقصودة كأهداف ضمن هذه السيناريوهات المقترحة او المرغوبة ؟ وما هي مساحة الديني والدنيوي في هذه السيناريوهات ؟
ختاماً ، هل من عمل ضروري يتعلق بنا ، لا بد من انجازه حول كل تلك الملابسات ؟
اتمنى ان تكون الافكار والاثارات التي تضمنها النص شافعة لطوله في عالم يصرخ بالاختصار الاختصار مع انه يعيش بطالة فكر وعمل ، وان يكون النص امانة ومسؤولية لا بد ان يقدم كل منا ما يستطيع أزائه .

التعليقات مغلقة.