الشهادة والشهيد في فكر العصائب

1٬097

الشهادة والشهيد في فكر العصائب

بقلم / أحمد رضا المؤمن

يحتل مفهوم الشهادة والشهيد مكانة عظيمة جداً في فكر ونهج مدرسة أهل البيت “ع” ليس فقط بسبب النص القرآني الذي يقدس هذا المفهوم وإنما لوجود مصاديق هي الأقدس في عقيدة المسلمين وهم المعصومون الأربعة عشر الذين تنص النصوص عن كبيرهم النبي الأعظم مُحمد المصطفى “ص” قوله : (ما منا إلا مسموم أو مقتول) ولذا فإن عقيدة أتباع أهل البيت “ع” تسلم بأن المعصومين جميعهُم شُهداء أما قتلاً بالسم كما حدث للنبي “ص” والإمام الحسن وعلي زين العابدين ومُحمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي الرضا ومُحمد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .

أو قتلاً دموياً كما حدث لسيدة النساء فاطمة الزهراء “ع” والإمام علي “ع” والإمام الحسين “ع” وأخيراً الإمام مُحمد المهدي صاحب الزمان صلوات الله عليه وعجل فرجه الشريف الذي تنص الروايات إلى أن نهاية حياته المباركة الشريفة ستكون قتلاً على يد إمرأة مُعادية لدولته العادلة بحسب بعض الروايات .

وقد إمتلأت بطون الكتب والمؤلفات الشيعية أكثر من غيرها في الحديث عن مكانة الشهيد والشهداء إلى درجة جعلت من الشهيد والشهادة نقطة فارقة في حياة ومصير الأمم لها آثارها الدنيوية والأخروية الظاهرة والباطنة ، بل أن كثير من الثورات والإنتفاضات والنهظات وحركات المقاومة إستمدت قوتها وطاقتها الغاضبة على أعداءها من خلال الإقتداء بسيرة الشهداء والإستلهام من قيمة عاشوراء الإمام الحسين “ع” الذي بات المدرسة الأولى والأهم والأكمل في التربية الصحيحة على أصول ونهج الشهادة الحقة .

ويبدو بأن العراق والعراقيين قد تأثروا وذابوا في عنوان الشهادة أكثر من غيرهم من الشعوب وهو أمر يؤكده ويوثقه وجود مراقد وأضرحة الكم الهائل من الشهداء بدءً من الأئمة المعصومين الستة (الإمام علي والحسين والكاظم والجواد والهادي والعسكري) ومن تبعهم من العلماء والمجاهدين والثوار والمقاومين والمقاتلين .. حتى بات تأريخ العراق مُضمّخاً بالدماء في كُل مراحله ، ويكفي لمعرفة حَجم العلاقة بين العراق والشهادة أن نُسلط الضوء على تأريخ العراق المعاصر من ثورة النجف الأشرف ضد الإحتلال الإنجليزي عام 1918 مروراً بشهداء ثورة العشرين وشُهداء إنتفاضة 1935 وما بعدها ، وشُهداء إنتفاضة صفر وشُهداء الحركة السياسية الإسلامية ضد النظام البعثي المُباد وشُهداء الإنتفاضة الشعبانية وشُهداء إنتفاضة الشهيد الصدر الثاني عام 1999 وشُهداء إنتفاضة النجف الأشرف الأولى والثانية ضد الإحتلال الأمريكي عام 2004 وشُهداء المقاومة الإسلامية ضد الإحتلال الأمريكي وشُهداء الإرهاب والإجرام التكفيري الطائفي وشُهداء الحرب ضد زمرة “داعش” التكفيرية .. ولا تزال قافلة الشهادة والشهداء في العراق مُزدحمة بركابها الحريصين على اللحاق بالنبي “ص” وأهل بيته “ع” .

عصائب أهل الحق .. إمتداد خط الشهادة

يُمكن تحديد خط الشهادة في حركة عصائب أهل الحق على أنه إمتداد طبيعي للحركات السياسية الإسلامية في العراق التي إرتبطت بمرجعيات شهيدة أبرزها شهيد العراق آية الله العظمى السيد مُحمّد باقر الصدر “رض” وشهيد الجمعة آية الله العظمى السيد مُحمّد الصدر “رض” .

فحركة عصائب أهل الحق ومُنذ تأسيسها في 3 آيار 2003م قدمت أكثر من (800) شهيداً الكثير منهُم كانوا بمُستوى القادة من الخط الأول في قيادة الحركة أمثال الشهيد القائد مهدي الكناني والشهيد القائد أبو صديقة مكي الجمالي والشهيد القائد أبو كوثر صفاء الشاوي والشهيد القائد أبو موسى العامري والشهيد القائد مُحمّد نعيم الخاقاني والشهيد القائد أبو ياسين المالكي والشهيد القائد أحمد جاسب اللامي .. إلخ .

بل أكثر من ذلك فإن قادة الحركة بدءً من أمينها العام الشيخ قيس الخزعلي قدموا أخوانهم وأقاربهم شُهداء قرباناً للعقيدة والوطن والمُقدسات ومثال على ذلك الشهيد فائق هادي الخزعلي شقيق الأمين العام والذي إستشهد في 6/حزيران/2006 بعد أن أذاق الإحتلال البريطاني في جنوب العراق الويلات لما كان يقوم به من صيد ثمين للمقاومة الإسلامية ضد طيران مروحياتهم .

ولم يمض الكثير على شهادة القائد أبو موسى العامري الذي إستشهد بعد إسبوعين فقط من شهادة أخيه الشهيد علي حسن العامري وَرَفَض أن يتراجع أو يترُك ساحة القتال لأي سبب حتى نيل إحدى الحُسنيين النصر أو الشهادة فحَصَل عليهما كلاهما .

هذا العطاء الكمي والنوعي للعصائب من الشُهداء القادة والأقارب جَعَلَهُم يَستَحقون وبجدارة الشعار الرسمي الذي رفعته الحَرَكَة (مُقاومة قادتها شُهداء وشُهداءها قادة) .

ولا عَجَب أنك تلحظ وبوضوح مَدى الإهتمام الكبير الذي تبذله الحركة بمسألة الشُهداء حتى أسست لهم مؤسّسة يضرب بها المثل في إخلاص العاملين فيها وتفانيهم من أجل رعاية حقوق وشؤون الشهداء والإهتمام بأسرهم وعوائلهم وتتفقد حوائجهم الصغيرة والكبيرة .

هذه المؤسّسة أسّست مؤسسة الحوراء “ع” للتعليم الأهلي والتي تمكنت من فتح مجموعة مدارس أهلية بادرت بتسجيل أبناء الشُهداء فيها مجاناً ، وقامت الحركة ببناء روحاني ومَهيب شامخ لروضة الشهداء في مقبرة وادي السلام بالنجف الأشرف فأصبح مَقصداً لكل من يَضيقُ صَدرَهُ من أدران الحياة الدُنيا فيلجأ لأرواح الشهداء فيزداد إيماناً وعزماً وصموداً .

أما على مُستوى عوائل الشهداء فإن الحركة تحرص بشدة وبمُتابعة مُباشرة من الأمين العام الشيخ قيس الخزعلي على قضاء حوائج كُل ما يُمكن لأبناءهم من إحتياجات مادية ومعنوية ومن إجراءات قانونية تضمن حقوقهم ، وأيضاً العمل على مشاريع تنموية خاصة بأبناء الشُهداء تعمل على رعايتهم رعاية خاصة وتنمية مواهبهم وإمكاناتهم الذاتية وتطويرها ومن ثم توفير الفرص المناسبة في الحياة العامة من أعمال ووظائف تتناسب مع مواهبهم وطاقاتهم وبما يؤدي إلى إكمال رسالة الشهيد والحفاظ عليها .

وللتأريخ فإن العصائب هي أول حركة مقاومة في العراق خصصت كردوس كامل من 40 شاب لتكريم وإستقبال وتشييع جثامين الشهداء منذ عام 2013 وبشكل مُنظم ومهيب أثار إعجاب الجميع وأدخل الرضا والإمتنان لدى عوائل الشهداء لما شاهدوه من مظاهر الإحتفاء بأبناءهم الشُهداء الذين رفعوا رؤوسهم عالياً .

الشهادة والشهيد في ضمير الأمين العام الشيخ الخزعلي

تتميز شخصية وسلوكيات الشيخ قيس الخزعلي بمواقف مُميزة شكّلت علامة فارقة في شخصيته أولاً وفي خارطة الأسماء والقيادات السياسية في العراق عموماً ، فالشهادة كما يتضح من مواقف وسلوكيات الشيخ الخزعلي تبلورت على شكل عقيدة مُقدسة وراسخة ومُقدمة على كُل شيء . رُبما لأنهُ ذاق طعم الشهادة في بداية حياته الجهادية عندما فقد أخوه فائق الخزعلي أو حتى لفُقدانه لاحقاً أخوانه وأصدقاءه ورفاق دربه في الجهاد والنضال ضد الإحتلال والزمر التكفيرية واحداً بعد آخر .

ويُمكننا أن نتأكد من أصالة ثقافة وعقيدة الشهادة في شخصية وسلوك الشيخ الخزعلي من خلال مُلاحظة رعايته ومُتابعته عوائل وأسر شهداء حتى من غير حركة عصائب أهل الحق التي يتزعمها والأمثلة كثيرة ومنها إهتمامه وتفقده لعوائل شهداء الجيش العراقي كالشهيد أبو بكر السامرائي والشهيد مصطفى العذاري والشهيد علي الندواي والشهيدة رنا العجيلي وغيرهم .

أما على مُستوى شُهداء الفصائل والحركات المنضوية تحت لواء هيئة الحشد الشعبي فالشيخ الخزعلي يحرص في كُل فرصة على زيارة مقابرهم في وادي السلام والتي يُصر على وصفها بـ(الرياض والروضة) بدل (المقبرة) فتجده في كُل عيد تقريباً وهو حاضر بين القبور يهدي سكانها تلاوة قرآنية وعهد من القلب على الثبات على ما إستشهدوا لأجله في خطوة لم يسبقه بها أحد في العراق .

وبعد إنتهاء الإنتخابات البرلمانية في 12 آيار 2018 تعرضت الحركة إلى موجة من التسقيطات تُشكك بإخلاص الحركة مع شُهداءها وتتّهمها بالمتاجرة بقضيتهم لأغراض إنتخابية فكانت المفاجئة التي ألجمت وألقمت أصحاب هذه التسقيطات أن يؤدي أعضاء البرلمان الفائزون (قَسَم العَهد والوَفاء) بمُناسبة فوزهم في داخل روضة شُهداء السيدة زينب “ع” بوادي السلام والتي تضُم كبار القادة الشُهداء في العصائب وأقدمهُم وليهدون فوزهُم إلى جميع الشُهداء ليثبت لمن يعقل ويبصر أن علاقة العصائب مع الشهداء هي علاقة الروح مع الجسد .

ومن ثم يقوم الشيخ الخزعلي بنفسه في 30 أيلول 2018 بمناسبة اليوم الأول للعام الدراسي الجديد بإصطحاب إبنة الشهيد القائد مكي الجمالي (أبو صديقة) بنفسه من باب منزلها وإيصالها إلى مدرستها في رسالة عميقة الدلالة على أن الحركة لا يُمكن أن تنسى عوائل الشهداء بل هُم خلفاء في أهله وعازمون على تربيتهم وإحتضانهم وتنمية قدراتهم وقابلياتهم وطاقاتهم العلمية والثقافية والإنسانية والإجتماعية بما يُسهم في إستمرار عطاء الشهيد ويُضاعفه حتى بعد إستشهاده .

وطبعاً فإن مواقف وعلاقة الشيخ الخزعلي بالشهداء وعوائلهم لا تقف عند حد بل يبادر في كل يوم بمبادرة من شأنها الإهتمام بشؤون عوائل الشهداء وعدم تركهم في ضعف أو حاجة لأي أحد ومن ذلك مبادرته الكبيرة (#منزل_لكل_عائلة_شهيد) التي أطلقها في كانون الثاني 2019 والتي تكفلت الحركة على إثرها ببناء وترميم مئات المنازل لعوائل الشهداء لتضمن لهم العيش بعزة وكرامة في منازل يملكونها تكفيهم عن الحاجة والإعتماد على أي جهة لديها تقصير أو قصور مع حقوق الشهداء .

مشاريع ومواقف حركة عصائب أهل الحق وأمينها العام سماحة الشيخ الخزعلي بحق الشهداء وعوائلهم كثيرة جداً ولا تنتهي وأصبحت اليوم هذه المواقف والمشاريع يُضرب بها المثل في حجم ونوع وكمية الوفاء الذي تظهره للشهداء إيماناً منها بأن الشهداء هم العلامة المضيئة في تأريخ الحركة ومسيرتها الإصلاحية المقاومة .

التعليقات مغلقة.