حدث 14 تموز بين الحقيقة وحملات التشويه المنظمة

401

حدث 14 تموز بين الحقيقة وحملات التشويه المنظمة

بقلم / أحمد عبد السادة

رغم أن عدد ضحايا الثورة الفرنسية بلغ مئات الآلاف (مجزرة “فانديه” وحدها بلغ عدد ضحاياها 117 ألف ضحية حسب أقل التقديرات !!) .

ورغم أن العنف الذي صاحب وأعقب وواكب مراحل الثورة كان عنفاً وحشياً يفوق الخيال وخاصةً في العهد الذي سُمّي بعهد “الإرهاب” الذي تزعمه روبسبير المعروف بوحشيته وحملات الإعدام الجماعية التي كان يقوم بها ضد خصومه .

ورغم أن الثورة الفرنسية لم تحقق أهدافها المرسومة لها بالكامل والتي تتمثل بشعار (حرية ، مساواة ، إخاء) .

ورغم أن نابليون ابتلع الثورة بعد ذلك وحول فرنسا إلى امبراطورية توسعية بزعامته، إلاّ أن ذلك لم يمنع الفرنسيين من الاحتفال بذكرى اندلاع الثورة ، ولم يمنع ذلك أيضاً أغلب المؤرخين والباحثين ودعاة حقوق الإنسان من الإشادة بالثورة الفرنسية واعتبارها الثورة التي أرست مبادىء حقوق الإنسان والحرية والمساواة والمواطنة والعدالة الاجتماعية وإنهاء التفرد بالحكم والإقطاع، الأمر الذي جعلها “ملهمة” لحركات التحرر والانتفاضات والثورات اللاحقة .

أقول هذا الكلام لأشير إلى ظاهرة شاعت في السنوات الأخيرة بشكل مُنظّم ومُمَنهَج وهي ظاهرة (تبشيع) حدث 14 تموز وشَيطَنَة زَعيمه عبد الكريم قاسم بذريعة أن هذا الحدث كان عنيفاً وَقتل العائلة الملكية وأدخل العراق في نفق العسكر والإنقلابات العسكرية والفوضى ، في حين أن عدد ضحايا يوم 14 تموز هو 24 ضحية فقط !! .

وللرد على هذا الأمر أود أن أطرح النقاط التالية :


أولاً :

القتل مدان بالتأكيد ، ولا شك أن مقتل الملك والعائلة الملكية كان جريمة كبرى غير مُبررة ، وتجدر الإشارة إلى أن الذي يَتَحَمّل مسؤولية هذه الجريمة هو الجناح الدموي في حدث 14 تموز والمتمثل بجناح القومي العروبي الطائفي عبد السلام عارف ، وهُنا لا بُد أن نُشير إلى أن القوة التي حاصَرَت قصر الرحاب وقتلت العائلة الملكية هي قوة تابعة لعبد السلام عارف آمر اللواء العشرين آنذاك ، وقد نَفّذَت الذي أمرها به عارف ، أي أن قرار مَقتَل الملك والعائلة الملكية هو قرار إتخذهُ عارف ، في الوقت الذي كان فيه عبد الكريم قاسم (آمر اللواء 19 آنذاك) في طريقه من جلولاء إلى بغداد . وهنا لا بد أن نذكر بأن عبد الكريم قاسم لم يكُن دموياً ، فهو قد عفا حتى عن الذين حاولوا إغتياله !!.

ثانياً :

أنتج حدث 14 تموز أول تجربة حُكم وطنية حقيقية بمعزل عن الوصاية الأجنبية ، فهو فضلاً عن قيامه بإسقاط الملكية وإعلان الجمهورية قام بتأسيس قرار عراقي سياسي مُستقل وغير خاضع للإملاءات الخارجية (البريطانية تحديداً) ، أي أنهُ حَقّق حلماً شعبياً مطلوباً بشدّة آنذاك ، وبهذا الصَدَد يَذكُر الكاتب حَسَن العَلوي مُلاحظة ذكية حين قال بأن (العراق البريطاني) إمتد من عام 1921 إلى عام 1958 ، وأن (العراق الأمريكي) إمتد من عام 1963 إلى عام 2003 ، في حين أن (العراق العراقي) إمتد فقط من 14 تموز 1958 إلى 8 شباط 1963 ، وهي فترة حُكم عبد الكريم قاسم .

ثالثاً :

أحدث حدث 14 تموز تحولاً إجتماعياً هائلاً في واقع المجتمع العراقي ككُل وخاصةً في واقع الطبقات الفقيرة المضطهدة ، وقام بخطوات كبيرة لإلغاء الطبقية من خلال إلغاء الإقطاع وَسَن قانون الإصلاح الزراعي وإسكان نازحي الجنوب الفُقراء في مُجمعات سكنية حديثة ببغداد ، فضلاً عن فتح المجال لتكافؤ الفرص أمام كل الشرائح الاجتماعية بلا تمييز طائفي أو قومي أو عرقي ، وهنا يُمكن القول بأن العدالة الإجتماعية كانت أهم ثمرات حدث 14 تموز .


رابعاً :

أنتج حدث 14 تموز إنتقالة كبيرة في مجال التعليم والصحة والإعمار والصناعة والزراعة وبناء المشاريع التنموية ، فضلاً عن سن قانون رقم 80 الذي قام بتأميم النفط وتحريره من الشركات الأجنبية الاحتكارية ووضعه تحت تصرف الدولة العراقية كثروة وطنية .


خامساً :

إدخال العراق في نفق الفوضى والصراعات الدموية والانقلابات العسكرية والمذابح والحروب لا يتحمله عبد الكريم قاسم ، وإنما يتحمله القوميون والبعثيون المدعومون من قوى عربية وإقليمية ودولية سعت لإسقاط جمهورية قاسم ونجحت بذلك .

سادساً :

عند حديث البعض عن “عُنف” حدث 14 تموز يتم ، بشكل مقصود ، تجاهُل عُنف العهد الملكي ومجازره كمجزرة الآشوريين وإعدام قادة الحزب الشيوعي والقمع الدموي للتظاهرات الشعبية كتظاهرة وثبة كانون .


سابعاً :

لا بُد أن نقرأ حدث 14 تموز ضمن سياقه التأريخي وفي ضوء المناخ الثوري السائد عالمياً آنذاك ، لا أن نقرأه ضمن مُناخ العالم الحالي وضمن مفاهيمنا السياسية الحالية ورؤيتنا المعاصرة للأحداث .

التعليقات مغلقة.