حديث آخر الدول .. قراءة في الدلالات

573

أيمن كريم الكاسر

وَرَدَ عَن الإمام مُحمّد الباقر “ع” أنهُ قال : (( دولتنا آخر الدول ، ولن يبقى أهل بيت لهُم دولة إلاّ مَلَكوا قبلنا لئلاّ يقولوا إذا رأوا سيرتنا : إذا مَلَكنا سِرنا مثل سيرة هؤلاء ، وهو قول الله عزّ وجل (والعاقبة للمتقين) )) .

تكشف هذه الرواية الشريفة عدة أمور مُهمّة وخطيرة يُمكن إستنتاجها منه وبوضوح منها :

1/ أن دولة الإمام المهدي “عليه السلام” هي آخر الدول ولن تكون بعدها أي دولة فهي الدولة الخاتمة والأمل للبشرية الذي إنتظرته طويلاً ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلأت ظلماً وجوراً .

2/ توجد أحاديث مُستفيضة تؤكد أن الإمام المهدي سيُقيم دولته العالمية العظيمة في العراق وعاصمته ستكون الكوفة (بمعناها الجغرافي الواسع الذي قد يشمل مُحافظات الفرات الأوسط من العراق) وبالتالي فإن حديث آخر الدول هو ضربة قاسية لصوابية وإستقامة حُكم جميع الأحزاب التي حكمت العراق الإسلامية والعلمانية وغيرها على السواء ، بل هو حديث ذو دلالة عميقة وخطيرة بحيث يسحب الشرعية حتى من الأحزاب الإسلامية التي حكمت لأنها غير مُرتبطة في مشروعها السياسي بمرجعية الولي الفقيه الذي هو بمنزلة نائب الإمام صاحب العصر والزمان “ع” ومُمثله في غيبته .

وها هي الأحزاب التي تصف نفسها بأنها إسلامية وتدعي الإيمان بالقضية المهدوية في العراق من الأحزاب (الإسلامية) تجدها :

ـ أما أنها لا تلتزم بمرجعية مُجتهد جامع للشرائط فيقودها الهوى والمصالح الدنيوية الفاسدة والمنحرفة دون أن يرجعوا للمرجع المجتهد في أي قضية فضلاً عن القضايا الحساسة والمصيرية الخطيرة وهو ما حذر من خطورته الشديدة المراجع وأبرزهم شهيد الجمعة آية الله العظمى السيد مُحمّد الصّدر “رض” الذي أكد في مقولة شهيرة لهُ في إحدى المناسبات : (كُل البشرية بدون مُجتهدين تكون مُلحقة بالعدم وتكون ضالة ومُضلة ــ وإن كان مو لطيف تساوي (كحِف) أو حذاء عتيق) .

ـ أو أنها من الأحزاب والقوى التي يقودها مدعو الإجتهاد وهم ليسو بمُجتهدين وقد حذر منهُم المرجع الشهيد الصدر “رض” أيضاً ومن عاقبة إتباعهم دنيوياً وأخروياً قائلاً : (.. أما أن تستطيع أن تعمل شيء من ذلك بدون إجتهاد فهذا دونه خرط القتاد ولا يُمكن أصلاً إنما يتبوأ مقعده من النار إذا فعل ذلك ليس بحُجّة ولا يجب إطاعته حتى لو كان من أفضل فضلاء الحوزة ما لم يحصل على درجة الإجتهاد) أي أن أي خطوة في الحياة فهي تحتاج إلى مُجتهد جامع للشرائط .

3/ بما أن دولة الإمام المهدي “عليه السلام” ستكون في العراق بالتالي فإن حديث آخر الدول لم يشمل أنظمة حكم أو أحزاب أو إتجاهات إسلامية أخرى مثل الجمهورية الإسلامية في إيران وحزب الله في لبنان وحتى اليمن لأنها أنظمة وأحزاب مُرتبطة بنائب الإمام المهدي “ع” الذي هو المرجع الولي الفقيه أو من يُمثله وسبب ذلك يتضح من خلال ملاحظة أن النظام الحاكم في إيران هو الجمهورية الإسلامية التي يقودها الولي الفقيه بشكل مُباشر والذي هو مُرتبط كمشروع ومنظومة بالإمام المهدي “ع” وكذلك أيضاً بالنسبة لحزب الله في لبنان فهو مُرتبط بالإمام المهدي “ع” كمشروع عقائدي وسياسي وحياتي .

أما في العراق فإنهُ على الأقل ومُنذ العام 2003م لم نشهد أياً من الأحزاب أو التيارات الإسلامية التي شاركت في الحُكم والسُلطة والقرار أي معالم لأي جهد أو مَسعى وتحرك لتبني أي مشروع إسلامي مُتكامل مُرتبط بقضية الإمام المهدي “ع” والتمهيد لظهوره في سيرتهم السياسية وإلى الآن . وحتى مُشاركتهم بالسُلطة والحكم كانت مُشاركة وفق الأنظمة الديموقراطية التي يصعب من خلالها تقديم مشروع إسلامي تتبناه الدولة لوجود مُخالفين ومُعارضين ومُنافسين لهُم من مدارس ومشاريع وآيدلوجيات فضلاً عن عدم قناعة معظمهم على المُستوى الشخصي والمسلكي بأهمية وخطورة هذه القضية عقائدياً وحياتياً .

وعليه فإن على كل مكلف في زمن الغيبة يؤمن بالإمام المهدي “ع” وقضيته أن يسعى بكل ما أوتي من قوة للتمهيد والإستعداد لظهوره الشريف وهذا الأمر ينطبق تماماً على المؤسسات وعلى الأحزاب والكيانات وعلى الدول لأنه أمل وسعادة البشرية الحقيقية المنشودة .

التعليقات مغلقة.