قراءة في كتاب (المرأة في فكر الشيخ الخزعلي)

1٬142

قراءة في كتاب (المرأة في فكر الشيخ الخزعلي)

عرض / أحمد رضا المؤمن

إسم الكتاب : المرأة في فكر الشيخ الخزعلي

عدد الصفحات : 40 القطع الوزيري

الناشر : مكتب الشؤون الثقافية لحركة عصائب أهل الحق / قسم شؤون المرأة

الطبعة : الأولى شوال 1440 / حزيران 2019

نالت قضية المرأة بكل أبعادها على إهتمام الأديان والقوميات والمذاهب وحتى الحركات والأحزاب السياسية بل والعشائر لأهميتها القصوى في التأثير على مسارات المجتمعات الإنسانية سلباً أو إيجاباً بحسب صحة أو خطأ النظرة والموقف والفهم لقضيتها .

وفي الإسلام ؛ الحركيّ منه خصوصاً نالت قضايا المرأة إهتماماً إستثنائياً وفهماً مُعمّقاً أنتج نماذج نسوية مُميّزة على الصعيد الفكري والثقافي والجهادي والسياسي والإنساني وغيره ، ويتميز الفهم الإسلامي للمرأة وقضاياها بأنه يتكيّف مع مفهوم (الثابت والمتغير) في العقيدة الإسلامية ، فتعامل من منطلق (ثابت) بخصوص قضايا الحجاب والعفة وحُرمة الإختلاط والإثارة .. إلخ . وتعامل من مُنطلق (المتغير) من قضايا أخرى للمرأة كالعمل والمشاركة السياسية والجهاد .. إلخ .

وبالأمس ظهر إصدار جديد عن مكتب الشؤون الثقافية لحركة عصائب أهل الحق / قسم شؤون المرأة بعنوان (المرأة في فكر الشيخ الخزعلي) تضمن كلمة هامة للشيخ قيس الخزعلي الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق ألقيت في 20 جمادى الأولى 1439 بمُناسبة يوم المرأة المسلمة في ذكرى ولادة السيدة الزهراء “ع” تضمنت رؤى وأفكار والتي يمكن إعتبارها بأنها أفكار ورؤى جديدة ومميزة في قضايا المرأة تختزن وعياً عميقاً وبُعداً وبصيرة نافذة في التعامل مع قضايا المرأة تتماشى مع حجم التحديات والمخاطر التي تهدد المرأة المسلمة عموماً والعراقية خصوصاً وبالأخص ما يتعلق بالهوية الثقافية وما تعانيه من تشويه وإلغاء وتلويث مُتعمد وممنهج ومدروس من قبل جهات ومؤسّسات ودول ومُخابرات عالمية لها أفكارها وعقائدها وأهدافها المعلنة والمخفية .

كما أن رؤية ومواقف وأفكار الشيخ الخزعلي المطروحة في هذا الإصدار تكتسب أهمية إستثنائية كونها صادرة عن زعيم حركة سياسية جهادية إسلامية آخذة بالنمو والتوسع الأفقي والعمودي ، بل تفوقت على أحزاب وتيارات وحركات لها تأريخ سياسي طويل وهو ما يعني أن رؤى وأفكار الشيخ الخزعلي في هذا الإصدار سيكون لها يوماً ما أثر واضح ومنظور وملموس على أرض الواقع وربما سنشاهد عدد كبير من نساء العراق ممن ينتمي للخط الإسلامي المقاوم أو حتى ممن يناصره أو من يُحسن الظن به سيتأثر ويستجيب لهذه الرؤى والأفكار لكونها تتصف بالواقعية والأصالة والتجديد .

المرأة في فكر الشيخ الخزعلي ..

يُشخص الشيخ الخزعلي أربعة أوجه من وجوه الإستقلال في شخصية المرأة خصها بها الإسلام هي :

أ ـ إستقلالية التكليف الشرعي

إذ يعتبر الشيخ الخزعلي أن النظرة العامة المأخوذة عن الإسلام من أنهُ دين يُغيّب دور المرأة ويجعلها بالشكل الهامشي أو مُلحق هي نظرة خاطئة وليس صحيحاً ، ويشير إلى عكس ذلك في القرآن الكريم الذي أوضح وبيّن بشكل قاطع لا لبس فيه أن للمرأة دورها المستقل في أداء تكليفها وأنها في هذا المجال ليست تبعاً للرجل في تكليفه وواجبه ، مُستشهداً بقوله تعالى (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) فالآية صريحة بأن المرأة في مقام أداء دورها أمام الله لا يُغني عنها الرجل وإنما هي مطالبة بكل هذه الواجبات العبادية بشكل مُستقل .

ب ـ إستقلالية الدور الرسالي

بيّن الشيخ الخزعلي في هذه النقطة أن الله تعالى بيّن في كتابه الكريم بأن المرأة ليست مُستقلة فقط في تكليفها الشرعي بل هي مُستقلة في واجباتها في الحياة وفي دورها الرسالي والدليل أيضاً في قوله سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) والبيعة كما يوضح الشيخ الخزعلي هي تقديم العهد على الإمتثال لأداء الواجب الرسالي أمام النبي “ص” بإعتباره قائد الأمة في ذاك الوقت ، إذاً منذ بداية الرسالة الإسلامية لم يكُن يكفي للمرأة حتى تؤدي دورها أن يأتي زوجها أو أبوها نيابة عنها ويبايع نيابة عنها وإنما المطلوب أن تأتي هي بنفسها وتُعاهد على الإلتزام بأداء واجباتها المطلوبة منها ومن ثُم ليعتمد الرسول “ص” هذا التعهد في الدور الذي يُمكن أن تقوم به في المجتمع وإصلاحه .

ج ـ إستقلالية الحقوق والأحوال الشخصية

وهنا يُذكّر الشيخ الخزعلي بوجود الإستشهادات العديدة في القرآن الكريم التي تبيّن أن للمرأة إستقلاليتها في قضايا الإرث والحقوق والأحوال الشخصية فعلى الرغم من جاهلية ذلك الزمان الذي كانت فيه المرأة توأد نجد أن الله سبحانه وتعالى ذكر بأن للمرأة خصوصيتها وكيانها بحيث تستحق الإرث بعدالة حالها حال الرجل ، مع أننا نُفرّق بين المساواة والعدالة ، فالمساواة هو ظُلمٌ للمرأة بإعتبار الطبيعة الفسيولوجية ولكن العدالة هي الصحيح فبإعتبار طبيعة الرجل والأمور المتعلقة به صارت هُناك فوارق نسبيّة في بعض صور الإرث وليس كُلها ولكن الإستقلالية بقيت محفوظة كما في قوله تعالى (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ..) ثم عندما يأتي إلى المرأة يقول تعالى (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا) إذاً كما أنت ترث من زوجتك كذلك الزوجة ترث من الزوج .

د ـ إستقلالية الثواب الأخروي

وفي الثواب الأخروي يشير الخزعلي إلى إستقلالية ثوابها عند الله تعالى بحيث تنال المرأة ثوابها بشكل مُستقل على عملها الذي هي قدمته في الحياة الدنيا وليس تنال ثوابها بسبب عمل زوجها أو والدها أو أخوها وإنما بشكل مُستقل بدليل قوله تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أي أن الوعد في هذه المقامات هو للرجل والمرأة كُلاً على حدة .

(المرأة الأنثى) و(المرأة الرجل) !

لعلم أهم وأبرز ما جاء في هذا الإصدار أو كلمة الشيخ قيس الخزعلي حول المرأة ما وَرَد في هذه الفقرة التي تسائل فيها فيما إذا كان هناك فرق بين الرجل والذكر وبين المرأة والأنثى ؟ لأن هذه المسألة مُهمة ومن شأنها أن تعطي لكُل ذي حق حقه كما يقول الخزعلي .

فالذكر والأنثى هي إشارة إلى الطبيعة الفسيولوجية بالخلقة والتكوين فهذا المخلوق أعطي وصف الذكر وذاك المخلوق أعطى وصف الأنثى بالفروق الجسدية البايلوجية المعروفة ، أما الرجل والمرأة فلا يُشير للطبيعة الجسدية الفسيولوجية ، إنما الرجل والمرأة يُشير إلى القدرة والجانب المعنوي في تكفل المهام الصعبة والجليلة والواجبات الضرورية ، فَمَن لَهُ القدرة على تحمل المسؤولية بنفسهِ بدون أن يعتمد على الآخرين في أداء وظيفة مُهمة وواجب جليل فهو رجل وأما الذي لا يستطيع أن يتحمل بنفسه هذه المُهمة والواجب فهو إمرأة بغض النظر فيما إذا كان (ذكر) أو (أنثى) وهذه النتيجة خطيرة لأنها ستبين لنا أن قسم كبير من الذكور هم نساء ! وجزء كبير من الإناث هم رجال . والشاهد على ذلك قوله تعالى (مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ..) إذاً مقياس الرجولة هو الصدق في الإلتزام في العهد والواجب في المواقف الصعبة مثل الحرب فالذي يستمر حتى يؤدي تكليفه هذا هو الرجل (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) .

آية أخرى أكثر صراحة فيما نُريد أن نصل إليه هي (عَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ ..) حيث ذكرت الروايات الصريحة لأهل البيت “ع” أن الذين على الأعراف ويعرفون كل الخلق بسيماهُم من هو على خير ويذهب إلى الجنة ومن هو على شر ويذهب إلى النار ، فإن هذا مقام عالٍ جداً والذي يستطيع أن يقف هذا الموقف العالي على الأعراف ولديه المعرفة هُم مُحمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين كما ذكرت هذه الروايات ، والآية تقول على الأعراف رجالٌ إذاً الزهراء رجل وإن كانت أنثى ، إذاً الزهراء رجلٌ بالموقف وإن كانت أنثى من الناحية الجسدية بشهادة القرآن الكريم .

إذاً الذكر والأنثى يكون رجُلاً بمواقفه ، لذلك في وقتنا الحاضر الكثير من الذكور يعيشون حالة اللاّمبالاة وعدم الشعور بالمسؤولية والإتكالية وحالات الإنحلال والتميّع وهم أبعد ما يكون بأن يوصوفون بأنهم رجال وكما قال الشاعر (… ليس كل الرجال تدعى رجالاً) ، وفي الحقيقة أن الصحيح (ليس كُل الذكور تدعى رجالاً) بينما نجد في الجانب الآخر الكثير من النساء قد أدت تكليفها وتحملت المسؤولية ونجحت في أدائها وخصوصاً في وقتنا الحاضر ، مثلاً نجد الكثير من الأناث اللاتي إستطعن تحمل مسؤولية الأسرة وأن يُربين أولادهن التربية الصحيحة وأن تدعم زوجها وأن تدفع به إلى ساحات القتال دفاعاً عن الدين والوطن والمقدسات وتستطيع أن تربي أسرة بل هناك حالات كثيرة أن الأنثى ليس لها مُعيل فليس لديها أب ولا زوج ورغم ذلك إستطاعت أن تربي هذه الأسرة وترفعها إلى مقام وحال أفضل .

فرق كبير بين شخص ذكر لا يستطيع تحمل مسؤولية نفسه وبين أنثى تستطيع تحمل مسؤولية عائلة ، فذاك الذكر يستحق أن يوصف بأنه إمرأة وتلك الأنثى تستحق أن توصف بأنها رجل . وهذه مسألة جداً مُهمة بأن نُحدد الوصف الدقيق لأبناء مُجتمعنا لذلك فإن أملنا بالله تعالى كبير بأن إناث الحشد الشعبي هُن رجالات الجنس الأنثوي في مُجتمعنا إن شاء الله صاحبات الموقف في تحمل المسؤولية في هذا الوقت الحرج والمهم من وضع بلدنا . وكما أشرنا في الجانب الرجال الذكوري القدوة هم مُحمّد وعليّ والحسن والحسين وفي الجانب الرجالي الأنثوي القدوة هُن خديجة وفاطمة وزينب . إذاً هؤلاء هُم الرجال ومن يسير على دربهم هُم الرجال بغض النظر عن أن يكون جنسهم ذكر أو أنثى ، هذه مقدمة مهمة يجب أن نؤسس لها في مجال الدليل وإيصال الثقافة المطلوبة فالنقطة الأساس أن تكون هناك ثقة بالنفس تتولد منها إرادة حتى تقوم الأنثى العراقية بدورها المطلوب منها .

المرأة ودورها في الحرب الناعمة

يطرح الشيخ الخزعلي تسؤلاً مهماً وخطيراً في هذه الفقرة مفاده : ما هو المجال الذي يجب أن نُحقق فيه الإنتصار ؟

ثم يُجيب الخزعلي شارحاً : الحرب حربان أو نوعان (خشنة) و(ناعمة) والحرب (الخشنة) هي الحرب العسكرية التي تُستخدم فيها الطائرات والدبابات والمدافع والمشاة والألغام والعبوات … إلخ والتي هدفها تحقيق السيطرة المادية على القرار والثروات لبلد ما ، والتي مجالها مجال الإنتصار العسكري . والحرب الأخرى هي الحرب الناعمة التي تستعمل الآن وسائل مُختلفة كُلياً مثل وسائل التواصل الإجتماعي وهدفها تحقيق السيطرة المعنوية على هوية وثقافة هذا البلد .

فمن الأكثر خطورة ؟ الجواب : الحرب الناعمة أكيداً ، فالإحتلال الأمريكي مثلاً لم يستطع أن يفعل شيئاً لثقافة العراقيين وهويتهم وعقيدتهم بل زادهم تمسكاً ، كذلك “داعش” عندما إحتل عسكرياً جزءً كبيراً من العراق لم يستطع أن يعمل شيئاً لثقافة وعادات وهوية العراقيين بل زادهم تمسكاً وإصراراً .. ولكن الحرب الناعمة تستهدف الهوية والعادات والتقاليد والثقافة والعقيدة والمباديء ووسائلها غير تقليدية وغير محسوسة ، ومن وسائلها الموبايل والستلايت والإنترنت وهي سلاحٌ ذو حدين ، فهذه الوسائل ندفع من أجلها الأموال للحصول عليها والعدو يربح منها مادياً ويُحقق بواسطتها أهدافه المعنوية حينما نأتي بها إلى منازلنا ونعطيها هدايا لأطفالنا في وضع يكون الجو فيه كله مفتوح كما في العراق الذي ليس فيه نظام تصفية ورقابة بل كله مفتوح مثله مثل بيت في منتصف الطريق بلا سياج ولا أبواب فيدخل ويخرج منه كل شيء . فالعدو من خلال هذه الأدوات غزانا في عُقر دارنا بوسائل لطيفة وغير محسوسة وبلا مُراقبة من الأم والأب ، والأطفال الذين يستخدمون هذه الوسائل يطلعون على أمور عجيبة وغريبة فنلاحظ بأن الجيل الحالي قد تغيّر تغيراً كبيراً والآن شبابنا في الجامعات جزء ليس قليل منهم يتكلمون عن الإلحاد ، فبالوقت الذي نتكلم فيه عن الدفاع عن الوطن والمقدسات نجد أن طلبتنا وأبناءنا هؤلاء يُشككون في الله تعالى نفسه فنحن لا نقبل مثلاً أن يُشكك أحد بالإمام الحسين “ع” بينما هؤلاء يُشككون برب الإمام الحسين “ع” والبعض الآخر يُريد الوصول إلى نتيجة بأن النبي مُحمد “ص” مُشتبه أو كاذب حاشاه وهكذا الإمام علي “ع” والزهراء “ع” وبالتالي يُريدون بذلك مسخ ثقافتنا وعقائدنا تمهيداً لجعلنا مُجتمع آخر وهذا أخطر ما يكون .

وإذا كان الذكور هُم رجالات الحرب الخشنة ، مع وجود دور للمرأة فيها من ناحية الدعم اللوجستي والتمريض والطبابة ، فإن الحرب الناعمة رجالاتها وقادتها هو الأناث . ولا يوجد للذكر سواء كان الأب أو الزوج دور يُساوي دور الزوجة أو الأم أبداً لا توجد مُقارنة ، لأنها هي الشخص المؤثر التي تستطيع أن تلاحظ وتراقب وتنصح وتوجه وتمنع وبالتالي تربي ، ودور الأب أو الزوج في هذه المسألة دور ثانوي لأن تواجدهُ ضعيف أو ثانوي في هذه الساحة هو مُتواجد بشكل رئيسي في الخارج والمتواجد في ساحة المنزل هي الزوجة أو الأم . وهذه المسألة هي في صميم وضعنا فنحن الآن نلاحظ إنتشار ظواهر عقائدية غريبة عن مُجتمعنا كالإلحاد والعلمانية ونُلاحظ كذلك مشاكل مُجتمعية مثل إزدياد حالات الطلاق وتغيرت العادات هذا كله ويعتبر البعض بأن الهم الأكبر هو الحرب مع داعش .. لا والله وحق أمير المؤمنين “ع” .. ليست الحرب مع داعش هي الحرب الأهم إنما الحرب داخل المنزل من خلال الستلايت والموبايل ووسائل التواصل الإجتماعي هي الحرب الأخطر لأن داعش لا يستطيع تغيير العقيدة والثقافة ولكن الموبايل وشاشة التلفزيون تستطيع ذلك ، فالطفل أصبح يقضي وقتاً طويلاً أمام قنوات تلفزيونية التي يدُسّ بعضها السّم في العسل فأصبح يأخذ ويَستلم معلوماته من التلفزيون ومن المؤسّسات وأجهزة المخابرات التي تقف خلفه وليس من والديه وثقافتهُما الدينية وعاداتهما الإجتماعية وهذا خَطَر ثُم خَطَر ثُم خَطَر .

والإعتماد على الله تعالى والثقة بكن إن شاء الله أن تؤدين هذا الدور ، أولاً في مُساندة أخوانكُن في الحشد الشعبي في دعمهُم ورفع حالتهم المعنوية ، في التبرّع ، في الدعاء ، في المُساندة ، في الدعم اللوجستي ، في التمريض ، في الطبابة …

وثانياً دورَكُن أن توصلن رسالة للعالم بأن الحشد موجود في كُل مكان وكُل نساءنا هُن حشد ويعملن في ساحات المنزل والدائرة والوظيفة والمعمل ويعكسن بأخلاقهن وتصرفهن وإلتزامهن الأخلاق الفاضلة التي تناسب المرأة المقاومة .

والدور الثالث والأهم هو الدور في تحصين الأسرة وتحصين الإبن والبنت بل حتى حصانة الزوج .

الأنثى العراقية والهوية الثقافية

يُنبّه الشيخ الخزعلي إلى أن أوربا إلى الآن لم توافق على ضم تركيا إلى الإتحاد الأوربي لأنهم يَعتبرون أن تركيا بلد مُسلم وَيَتخوفون من ضَمّها إلى مُجتمعاتهم المسيحية , إذاً مَهما تكلّموا بالمصطلحات الديموقراطية لم يستطيعوا أن يلغوا مسيحيتهم ونرى إلى الآن مثلاً أن الأحزاب السياسية في ألمانيا مثلاً هي أحزاب “مسيحية” يعني ذات دلالات “دينية” ولم يُبعدوا مَسيحيّتهم عن السياسة . وإذا ذكرنا مثالاً آخر هو “الكيان الإسرائيلي” الذي يدّعي الغرب أنها دولة الديموقراطية في الشرق الأوسط ، تطالب هذه “الدولة” بالإعتراف بيهوديتها بينما نجد أن (أنصاف المثقفين) الذين يتكلمون ضد الدين ويُطالبون بعزل الدين عن الدولة وفصل الإسلام عن السياسة ويستشهدون بالغرب ، والحال أن الغرب لم يعزل الدين عن السياسة , وبالنتيجة نَحنُ كمُجتمع عراقي مُسلِم لدينا ديننا الذي نَفتَخِر بِهِ وَهو دين مُحمّد وَآله “ع” وَهو أفضل الأديان وَلَدينا لُغتنا وَهي اللغة العربية الأصيلة وَلَدينا تأريخنا وَثقافتنا وعاداتنا وهي من أفضل العادات والتقاليد والثقافات وَالدين الإسلامي أفضل وأكمل مِن كُل دين وأهل البيت “ع” أفضل ما خلق الله وَلَم يَخلُق الله أفضل منهُم .

فالخطر الحقيقي الذي يحدث الآن كما يشخصه الخزعلي ليس عَسكرياً وَإنما هو خَطَر تغيير وَمُحاوَلَة مسخ للهوية وَالعادات وَالتقاليد والدين فبات الغزو الثقافي يَغزو المجتمع وهذا واضح لكُل الذي يحدث بالجامعات وغيرها , وينبغي التصدي لهذا الخطر وَلا يُمكن للذكر أن يَتَصَدّى بمُفرده لهذا الأمر إلا بمُساعدة (الأنثى) بل أن قدرة الأنثى على التغيير والتأثير بالمُجتمع أكثر وأكبر من الذكر .

المرأة المقاومة والحريات الشخصية

وفي قراءة تدل على رؤية واقعية وعميقة للشيخ قيس الخزعلي بخصوص قضايا المرأة فإنه يتعرض في كلمته إلى مسألة مهمة هي مسألة الحريات الشخصية فيقول : .. نحن بلد كما تعلمون مفتوح على كل الثقافات والأفكار فلا يوجد أي مانع أو حاجز يمنع أي فكرة أو ثقافة أن تصل إلى كل فرد من أفراد المجتمع العراقي ، وهذا المجال صحيح أنه سيؤدي إلى أن الإنسان سيرى ويطلع ويجرب ويُنضّج وضعه ولكنه خطير في نفس الوقت من ناحية أن الكثير من أبناء مُجتمعنا ليسوا على مُستوى الحصانة والوعي الكافي حتى يقفوا أمام بعض هذه الأفكار والثقافات الخطيرة ، على كل حال فإنه في هذا الواقع نجد أن هناك جزء كبير من الأفكار الهدامة الغريبة عن طبيعة مجتمعنا العراقي بأصوله الإسلامية العربية وعاداته العراقية المعروفة قد بدأت تغزو أبناء مجتمعنا وأخذت تصل إلى الأسرة .

السؤال نحن ما هو تكليفنا ؟؟ تكليفنا تجاه المجتمع هو أن نؤكد على إحترام الحريات الشخصية فلا نستعمل وسيلة الإكراه والإجبار على الآخرين في مجال ما يُسمى بالحريات الشخصية ، إنما نستعمل النصيحة والدعوة الحسنة (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وهذه النقطة ستكون فائدتها أكبر فيما لو إستعملنا الأساليب القاسية التي ستؤدي إلى النفور ، وأعتقد بأن التجربة الموجودة في لبنان تجربة جداً لطيفة للإستشهاد بها ففي لبنان المجتمع منفتح جداً أكثر بكثير من الإنفتاح الموجود في العراق لكن رغم ذلك الأخوان في المقاومة الإسلامية حزب الله يستعملون وسائل التثقيف الهادئة في الخطاب والتعامل مع أفراد مجتمعهم فنجد أن المجتمع اللبناني جزء كبير منه داعم للمقاومة بغض النظر عن إلتزامه الديني وإنضباطه وإحترامه للحريات وفق المعايير الإسلامية ، فإذا حدثت تظاهرة لدعم حزب الله تجد فيها المُحَجّبَة والسافرة بَل تَجِد المُسلم وَالمَسيحي . إذاً في المجال العقائدي والثقافي هذه هي الوسيلة الصحيحة والأكثر تأثيراً من الوسائل الأخرى .

المرأة المقاومة هي القدوة

يتصف غالبية أفراد أي مُجتمع بمستويات الفهم العادية ، ودائماً ما تستهدف هذه المجتمعات في ثقافتها وأخلاقها ومن هُنا يكون وجود القدوة أمراً ضرورياً والشريحة النسوية تحتاج إلى وجود القدوة كذلك الأفضل أن تكون متعددة وعلى أكثر من مستوى ومجال ، على مستوى المؤسسة أو المدينة أو البلد ووجود القدوة أو القدوات النسوية من عالم النساء أمر ضروري جداً .

وفي هذا الخصوص يشير الشيخ الخزعلي إلى أنه في الوقت الذي كانت خديجة “ع” قدوة نسائية مع محمد “ص” وكانت الزهراء “ع” مع علي “ع” وكانت زينب “ع” مع الحسين “ع” وإلى زماننا القريب كانت “بنت الهدى” مع السيد محمد باقر الصدر “رض” ، بينما نُلاحظ في وقتنا الحالي غياب أو تغييب دور الأنثى كقدوة مُتصدية تقوم بدورها التوعوي والإصلاحي .

وهنا يوجه الشيخ الخزعلي دعوته إلى (المرأة المقاوِمة) وإلى (نساء الحشد الشعبي) وخصوصاً النخب الواعية منهن للقيام بدورهن في هذا المجال مُبدياً إستعداده للتعاون وتقديم الدعم لتحقيق هذه النتيجة .

ويُنبّه الخزعلي بأنه وبشكل عام لكي نكوّن قدوة فإنهُ ستُفرَض عَلَينا إلتزامات خاصّة غير موجودة في الشخص غير المتصدي لهذا العنوان ، فكما توجد إلتزامات عليّ شخصياً ـ الشيخ الخزعلي ـ وعلى كُل قيادات المقاومة كذلك توجد إلتزامات على قيادات الحشد النسوي ونساء المقاومة ومن هذه الإلتزامات المستوى الخاص المتميز في الخلق والتعامل مع الآخرين والمحافظة على المظهر بالشكل الذي يتناسب مع هذا العنوان .

ويضرب الشيخ الخزعلي بلبنان قائلاً : يُلاحظ أن أزياء المجتمع اللبناني مُتعددة وكثيرة على قدر كُل ثقافات العالم الموجودة في لبنان ولكن هُناك زيّ خاص للمرأة المقاومة من العباءة والمظهر والتصرف والثقافة بحيث يتضح أن هذه المرأة رسالية ومن هذا الخط وبالتالي فهي قدوة في تصرفها وحركاتها وتعاملها وكلامها ، وهذه مسألة مُهمة على طول التأريخ لذلك فإن القرآن الكريم عندما يتكلم مع الرسول “ص” في مجال النساء ويُخاطب نساء النبي “ص” يقول (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) ، فالنساء المُتعلقات بالنبي “ص” عليهن وظيفة وإلتزامات أكثر خصوصية من النساء الأخريات لأنهُن يعكسن رسالة النبي “ص” وأخلاقه .

وفي عبارة عميقة في دلالاتها يخاطب الشيخ الخزعلي نساء المقاومة قائلاً : يا نساء المقاومة لَستُنّ كأحدٍ من النساء ، إن إتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مَرَض ، فأنتُن قدوة وعليكُن إلتزامات وتصرّفات خاصة فلا بُد أن يكون هُناك مُستوى خاص من الثقافة والوعي ومُستوى من الظاهر والملبس يختلف عن الأخريات فمن تختار هذا الطريق عليها أن تؤدي إلتزاماته ومن لا تستطيع عليها أن تكون صادقة وواضحة مع نفسها فهي غير مجبورة على السير فيه ، هذا الطريق سار فيه الشهداء وكُل عباد الله الصالحين ويسير في مُقدمته الإمام المهدي “عليه السلام” وهو الطريق الذي يَهدف لتأسيس دولة العدل الإلهي فهو طريق خاص جداً .

ويؤكد الخزعلي بإننا مُطالبون اليوم وأكثر من أي وقت مضى بأن نُساعد على خلق ظروف من شأنها أن تُوجد لنا في العراق “نساء قدوة” مؤمنات واعيات شُجاعات تستطيع بقية النساء أن يَقتَدين بهن في أكثر من وَجه وجانب مثل جانب ثقافة المقاومة وجانب التربية وجانب العبادة وجانب الثقافة والأدب والفن وجانب السياسة وجانب العلوم والدراسات العُليا .. إلخ .

ويُظيف الشيخ الخزعلي : نحن بحاجة إلى النساء القدوة اللاتي يُمكن أن يَخلقن حافزاً فِعليّاً أكبر من خلال قدرتهن على التأثير في المحيط النسوي وتكون عنصر جذب وتأثير وتنمية وتطوير ونواة ينطلق منه المشروع الإسلامي الناجح الذي يُمهد لمجتمع دولة العدل الإلهي .

التعليقات مغلقة.