“ما تصير إلنه جارة” .. النبوءة التي حققت ذاتها !

518

“ما تصير إلنه جارة” .. النبوءة التي حققت ذاتها !

بقلم / علي كريم السيد

يُعتبر “روبرت ميرتون” واحداً من كبار عُلماء الاجتماع ، وهو أول عالم يتحصل على الإمتياز العلمي الأمريكي (١٩٩٤) تخرج من جامعة هارفارد ودرّس فيها حتى عام 1939 ثم استقر في جامعة كولومبيا بداية من عام 1941 ورغم ذلك لم يُترجم أي كتاب من كتبه للعربية إلى حد الآن !

من المفاهيم المهمة التي صاغها روبرت . ك . ميرتون والتي لا يُشار إليها كثيراً في تراثه العلمي المترجم للعربية ، هو مفهوم أو عبارة “نبوءة تحقق الذات Self-Fulfilling) Prophecy) وأضفى الطابع العلمي عليها في كتابه (النظرية الإجتماعية والبنية الإجتماعية) .

يُعرّف ميرتون عبارة “نبوءة تحقق ذاتها” بأنها تعريف خاطئ للموقف أو الشخص الذي يستدعي سلوكًا جديدًا ، مما يتسبب في تحول المفهوم الخاطئ إلى حقيقة . هذه الصلاحية الخادعة تديم الخطأ ، سوف يدرك صاحب الإعتقاد الخاطئ سير الأحداث كدليل على أنهُ كان على صواب من البداية .

مثال : عندما تعتقد الزوجة أن زواجها سوف يفشل ، فإن مخاوفها تتسبب في تأكيد ذلك الفشل .

من تطبيقات هذه النظرية أيضاً :

التجربة التي أجرتها “روزنتال” ، تم إخبار مُعلمي المدارس الإبتدائية أن ثلاثة طلاب سجلوا أكثر من غيرهم في إختبارات الكفاءة . قيل لهم أيضاً عدم مُعاملتهم بطريقة مُختلفة في نهاية العام ، تم إجتياز الإختبارات مرة أخرى وسجل هؤلاء الطلاب الثلاثة درجات أعلى من الآخرين .

الشيء المثير للاهتمام هو أنهُ في الاختبار الأولي للقدرات ، سجل الطلاب الثلاثة المشار إليهم مثل بقية الطلاب !!

السؤال كيف تنطبق هذه النظرية على المجتمع العراقي ؟

يؤمن أغلب العراقيون بأن البلد ضاع والدولة ستنهار وأنهُ “ما تصير لنا جارة” في حالة من التشاؤم المطلق الذي أنتج مُشكلة العجز المكتسب : Learned helplessness (فقدان الأمل بتغيير الوضع السيء).

وفقا لنظرية ميرتون [نبوءة تحقق الذات] إن توقعات العراقيين بفشل الدولة وخراب المجتمع وإنعدام الأمل سوف تصبح حقيقة ، ليس لأنهم توقعوا ذلك بل لأنهُم سيعملون بشكل لا شعوري على نجاح هذه التوقعات وسوف يرفضون أي مُحاولة تمنع ذلك لكي يتفاخروا بأسبقية النبوءة ..

لا يختلف اثنان على فساد الطبقة السياسية وإفتقادها لأبسط مهارات الإدارة والقيادة ولكن .. هل نتحمل جزء من المسؤولية ؟

في نقاش مع أحد الأصدقاء كان يتكلم عن فوضى المواجهات العشائرية ثم إنتقل لموضوع “الدكة” موضحاً أنهُ لا مجال للسيطرة عليهم وأن الدولة غائبة تماماً .

ورغم أن هذا الكلام صحيح نسبياً ، إلا أني بيّنت لهُ أن الدكة العشائرية قد تراجَعَت بشكل كبير بعد أن إعتبرها القضاء العراقي جريمة تقع ضمن قانون الإرهاب . فلاحظت إن صديقي قد تفاجئ وإنزعج نوعاً ما لأني سلبت شعوره بالراحة ، فالتوصل إلى وجهة نظر ثابتة تجاه ما نعيشه هو أمر مُريح للتفكير والهوية .

التشاؤم والسلبية واللاّ مُبالاة التي تميز تفكير أغلب العراقيين تجعلهم يحولون أفكارهم السلبية إلى واقع بدون قصد أو علم !لأن إيمانهُم باللاّ جدوى سوف يجعلهُم غير مُبالين بإصلاح النظام الإجتماعي فيعمد إلى إهمال نظافة الشوارع ، ومُخالفة القوانين المرورية ، ومُمارسة الرشوة ومُقاطعة الإنتخابات وغيرها من السلوكيات بحُجّة هيّ “خربانة” التي تعبّر عن الإحباط واللاّ مُبالاة واللاّ جدوى . والتي سوف تساعد في إعادة إنتاج الخراب.

التعليقات مغلقة.