مُتلازمة ستوكهولم .. وأثرها على سلوكيات الشعوب

708

مُتلازمة ستوكهولم .. وأثرها على سلوكيات الشعوب

ماجد عامر الحداد

مُتلازمة ستوكهولم هي ظاهرة نفسية تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو من أساء إليه بشكل من الأشكال ، أو يُظهر بعض علامات الولاء لهُ مثل أن يتعاطف المخطوف مع المُختَطِف . وتسمى أيضاً برابطة الأسر أو الخطف وقد اشتهرت في العام 1973 حيث تظهر فيها الرهينة أو الاسيرة التعاطف والانسجام والمشاعر الايجابية تجاه الخاطف أو الآسر، تصل لدرجة الدفاع عنه والتضامن معه .

هذه المشاعر تعتبر بشكل عام غير منطقية ولا عقلانية في ضوء الخطر والمجازفة التي تتحملها الضحية ، إذ أنها تفهم بشكل خاطىء عدم الاساءة من قبل المعتدي احساناً ورحمة.

وقد سجلت ملفات الشرطة وجود متلازمة ستوكهولم لدى 8 % من حالات الرهائن .

ويُمكن إعتبار مُتلازمة ستوكهولم كنوع من الارتباط الذي له علاقة بالصدمة ، ولا يتطلب بالضرورة وجود حالة خطف ، فهو ترابط عاطفي قوي يتكون بين شخصين أحدهما يضايق ويعتدي ويُهدّد ويضرب ويُخيف الآخر بشكل مُتقطع ومُتناوب .

إحدى الفرضيات التي تفسر هذا السلوك ، تفترض أن هذا الإرتباط هو إستجابة الفرد للصدمة وتحوله لضحية . فالتضامن مع المعتدي هو إحدى الطرق للدفاع عن الذات . فالضحية حين تؤمن بنفس افكار وقيم المعتدي فان هذه الافكار والتصرفات لن تعتبرها الضحية تهديدا أو تخويفا. وقد يطلق على (متلازمة ستوكهولم) خطئاً إسم (متلازمة هلسنكي) .

مصدر التسمية :

أطلق على هذه الحالة إسم “متلازمة ستوكهولم” نسبة إلى حادثة حدثت في ستوكهولم في السويد حيث سطا مجموعة من اللصوص على بنك كريديتبانكين Kreditbanken هناك في عام 1973، واتخذوا بعضاً من موظفي البنك رهائن لمدة ستة أيام ، خلال تلك الفترة بدأ الرهائن يرتبطون عاطفياً مع الجُناة ، وقاموا بالدفاع عنهم بعد إطلاق سراحهم .

السمات العامة :

لكُل مُتلازمة أعراض وسلوكيات تميزها ، ولعدم الإتفاق على قائمة مُتكاملة من الأعراض لإختلاف آراء الباحثين والمتخصصين ، لكن بعض العلامات لا بد من تواجدها ضمن مُتلازمة ستوكهولم مثل :

ـ المشاعر الايجابية تجاه المعتدي المتسلط

ـ المشاعر السلبية للضحية تجاه العائلة أو الاصدقاء أو من يحاول إنقاذهم أو الوقوف بجانبهم .

ـ دعم وتأييد سلوك وتفكير المعتدي

ـ المشاعر الايجابية للمعتدي تجاه الضحية

ـ سلوكيات ساندة للمعتدي من قبل الضحية واحياناً مساعدة المعتدي

ـ عدم القدرة على المشاركة في أي سلوك يساعد على تحرير الضحية أو فك ارتباطها .

التأريخ :

تسمى هذه النظرية بإسم مدينة ستوكهولم في السويد حيث وقع حادث سرقة بنك في آب عام 1973، وخلال عملية السرقة إحتجز المجرمون عدداً من موظفي البنك كرهائن لمدة ستة ايام، خلال فترة التفاوض مع السلطات. وخلال هذه المدة أصبح الرهائن متعلقين عاطفياً بالخاطفين، رافضين مساعدة المسؤولين، بل قاموا بالدفاع عن الخاطفين بعد انتهاء الازمة.

تسمية هذه الحالة كان من قبل نيلز بيجيرو، المختص بعلم الجرائم والامراض النفسية ، حيث كان مستشاراً نفسياً للشرطة في وقت وقوع الحادث واشتهرت هذه التسمية عالمياً بعد هذه الحادثة. وفي الاصل عرفها وبينها (فرانك أوكبيرغ) الاختصاصي بعلم النفس ، للمساعدة في التعامل مع حالات الرهائن .

أسباب :

تفسير متلازمة ستوكهولم طبقاً لـعلم النفس التطوري يفسر التعاطف والارتباط مع الخاطف بأنه حل لمشكلة تعايش الضحية مع وضع تكون فيه مسلوبة الارادة ومغلوبة على أمرها للحفاظ على حياتها وبقائها وهو معروف منذ اقدم العصور . فإحدى المشاكل التي كانت تواجه النساء في المجتمعات البدائية هي التعرض للخطف أو الأسر من قبل قبيلة أخرى ، فخطف النساء واغتصابهن وقتل اطفالهن الصغار كان أمراً شائعاً وكانت المرأة التي تقاوم في تلك المواقف تعرض حياتها للخطر . وخلال فترات طويلة من التأريخ كان خوض الحروب واخذ السبايا أمراً طبيعياً وقد كانت السبية أو الأسيرة تتعايش وتندمج ضمن القبيلة التي أسرتها وتخلص لها . هذا النمط من الحياة ما زال معروفاً لدى بعض القبائل البدائية، وكذلك لدى بعض الثدييات المتطورة .

وما زالت هناك انواع من العلاقات في الوقت الحاضر تحمل بعض السمات النفسية للارتباط مع الخاطف أو الآسر مثل متلازمة الزوجة المتعرضة للضرب ، والعلاقة خلال التدريبات العسكرية الاولية ، وضمن الأخويات أو نوادي الرجال ، وكذلك في بعض الممارسات الجنسية كالسادية والماسوشية أو الارتباط والعقاب .

نماذج :

لا يوجد معيار عام مُتفق عليه لتشخيص هذه الحالة . لكن الأبحاث وَجَدَت ترابطاً عاطفيا ًمع الخاطفين أو الآسرين في حالات مُختلفة من العلاقات الاضطهادية مثل :

ـ الاطفال المعتدى عليهم جنسياً

ـ النساء المعتدى عليهن جنسياً

ـ المنتمون للطوائف الدينية المتطرفة

ـ ضحايا إغتصاب المحارم أو ذوي القربى

ـ سجناء المعتقلات .

وفي العراق خير شاهد على هذه المتلازمة التي تنتشر فيه بكثرة حيث يُلاحظ حنين الكثير من العراقيين لحكم النظام البعثي والصدامي رغم أن أغلب هؤلاء هم ضحايا سياسات هذا النظام القمعي الوحشي . وكذلك الحال بالنسبة لمن يشعرون بالحنين إلى وجود الإحتلال الأمريكي وهكذا بالنسبة لجميع الشعوب التي تتعاطف مع الأنظمة المستبدة والقمعية التي حكمتها بالحديد والنار والظلم .

وفي حالات الجرائم يُشجع الضحية على هذا السلوك ، فهو يزيد من فرص نجاة الضحايا . لكن المصابون به يكونون عادةً غير متعاونين أثناء عملية إنقاذهم أو التحقيق معهم.

ويمكن ملاحظة وجود بعض مميزات “متلازمة ستوكهولم” لدى ضحايا العنف في المواقف التالية :

ـ المشاعر الايجابية للضحية كالحب والشفقة تجاه المعتدي المتحكم

ـ المشاعر السلبية للضحية كالبغض تجاه من يحاول تخليصها

ـ وجود سلوك مساند من قبل الضحية لمساعدة المعتدي

ـ عدم رغبة الضحية بالخلاص من المعتدي.

مُتلازمة ليما :

هذه الحالة هي عكس متلازمة ستوكهولم ، حيث يتعاطف الخاطف مع الرهائن.

وهناك عدة اسباب لظهور متلازمة ليما لدى الخاطف ، ففي بعض الحالات يكون هناك عدة افراد مرتكبين للخطف ، واحد منهم أو أكثر سيبدأ بالخلاف مع الآخرين حول ما يقومون به ويؤثر أحدهم على الآخر . كما قد يعيد الخاطف التفكير بالأمر أو يتعاطف مع الرهائن .

متلازمة ليما سُميت بعد حادثة خطف حدثت في السفارة اليابانية في ليما عاصمة البيرو ، في 1996 حيث قامت مجموعة تابعة لحركة عسكرية باحتجاز المئات من الرهائن الذين كانوا يحضرون حفلة تقيمها السفارة اليابانية في مقر إقامة السفير . وخلال ساعات قليلة قام الخاطفون بإطلاق سراح معظم الرهائن وبضمنهم الشخصيات الهامة ، بسبب التعاطف معهم .

حالات مشهورة :

هناك حالات من متلازمة ستوكهولم إشتهرت في وسائل الاعلام منها :

باتي هيرست :

وتعتبر الأكثر شهرة بين حالات متلازمة ستوكهولم ، وهي من عائلة ثرية معروفة اختطفت في 1974 لغرض اخذ فدية من اسرتها من قبل مجموعة تدعي بأهداف سياسية، وبعد شهرين من احتجازها والاعتداء عليها تطوعت بإرادتها لمساعدتهم في عملية سرقة واستمر احتجازها لمدة سنة انضمت خلالها للمجموعة واعتنقت افكارهم وشاركت معهم في جرائم السرقة التي يقومون بها ، بعد ذلك ألقي القبض عليها وأدانتها وحكمت بـ 35 سنة في السجن في عام 1975. لكن الحكم خفف عليها واطلق سراحها في 1979 بعفو رئاسي من الرئيس كارتر . ويعتبر سلوكها نموذجا لمتلازمة ستوكهولم.

رهائن حادثة بنك ستوكهولم:

هؤلاء الرهائن تعاطفوا مع الخاطفين ولم تتمكن الشرطة من تحريرهم الا بإطلاق غاز مسيل للدموع خلال القبو. وقد اثار تعاطفهم دهشة الجمهور المتابعين للقضية وأطلق اسم هذا السلوك على هؤلاء الرهائن.

اليزابيث سمارت :

اختطفت من غرفتها بعمر 14 سنة في 2002 من قبل شخص هددها بالسلاح، ثم اصطحبها للغابة حيث كانت زوجته بانتظاره. ثم تزوجها بمراسيم خاصة به وجعلها زوجة ثانية له. وخلال مدة 9 شهور بقيت محتجزة لديه حيث تنقلوا لعدة اماكن وكان يقوم بربطها على شجرة وتجويعها فترات طويلة واغتصابها. وبعد اكتشاف الشرطة والقاء القبض عليه قالت إليزابيث ان الفرصة واتتها عدة مرات للهروب منه لكنها لم تستغلها.

ماري ماكلروي :

اختطفت في 1933 لمدة 34 ساعة من قبل 4 اشخاص حتى تم دفع فدية 30000$ لإطلاق سراحها. خلال مدة الاحتجاز عقدت ماري صداقة مع مختطفيها الذين القي القبض عليهم بعد ذلك والحكم عليهم بالسجن، مما سبب لها حالة شديدة من الاكتئاب والشعور بالذنب. وكانت تقوم بزيارة خاطفيها باستمرار في السجن. وبعد وفاة والديها انتحرت ماري في 1940.

جيسي لي دوغارد :

اختطفت هذه الضحية في 1993 وهي بعمر 11 سنة من قبل زوجين قاموا باحتجازها لمدة 18 عاما في خيمة في حديقة منزلهم حيث اغتصبت وانجبت ولدين خلال تلك الفترة. وخلال تحقيقات الشرطة كانت تنكر وجود أي مشكلة أو اعتداء وكانت تصف خاطفها بالإنسان العظيم. وحين تسائل الكثيرون عن سبب عدم هروبها، كان الجواب هو متلازمة ستوكهولم التي يؤمن علماء النفس بانها وسيلة للبقاء.

ناتاشا كامبوش :

في عام 1998 اختطفت هذه الضحية وهي بعمر 10 سنوات أثناء ذهابها للمدرسة، من قبل عامل توصيل. ولم يعثر عليها الا في 2006 حيث وجدت تركض هاربة من الخاطف، الذي انتحر بالاستلقاء على خط السكة الحديدية بعد ساعات من هروبها. وتعتبر قضيتها مثالاً يستخدمه المختصون على متلازمة ستوكهولم.

شون هورنبيك :

اختطف هذا الطفل بعمر 11 سنة في 2002 حين كان راكبا دراجته فلم يعد بعد ذلك لمنزله. كانت لدى هذا الطفل عدة فرص للهرب حينما كان محتجزا من قبل خاطفه لـ 4 سنوات لكنه لم يفعل حتى انه كان لديه دخول على الانترنيت . اكتشفته الشرطة في بيت خاطفه وهو بعمر 15 ويعتبر من القضايا التي تتضح فيها متلازمة ستوكهولم.

أسيرات كليفلاند :

بعد أن ابلغت اماندا بيري الشرطة بوجودها بعد 10 سنوات من فقدانها في 2013 أصبحت القضية شغل وسائل الاعلام . فقد احتجزت اماندا مع ميشيل نايت وجينا دي جيسس ، لعشر سنوات في منزل بضواحي كليفلاند ، ويعتقد الاخصائيون ان اصابتهن بمتلازمة ستوكهولم هو سبب تأخرهن في الهروب من الخاطف.

إليزابيث فريتزل :

احتجزها والدها في قبو لمدة 24 سنة، خلال تلك المدة كان يعتدي عليها ويغتصبها فأنجبت 7 أطفال كانت تعيش مع 4 منهم في القبو وكان والدها وزوجته وبقية اولادها يعيشون في المنزل. وقد كانت بعمر 18 سنة حين حبسها والدها واغلق عليها، وقد القي القبض على الأب حين احتاجت لعناية طبية لاحد اطفالها. ولم يكن أحد من اطفالها الصغار قد رأى الشمس الا حين حررتهم الشرطة. وبسبب طول فترة احتجازها والعلاقة القائمة مع والدها فقد استمر تأثير متلازمة ستوكهولم عليها.

كولين ستان :

حبست هذه الضحية في صندوق بحجم التابوت تحت سرير الخاطف وزوجته لمدة 7 سنوات منذ 1977 إلى 1984 حيث كانت تقضي فيه 23 ساعة يوميا خلال فترة احتجازها من قبل الخاطف الذي استخدمها لغرض الاستعباد الجنسي . كان الخاطف يتلاعب بافكارها ويعتدي عليها بمختلف الاشكال ، بل وحتى يصطحبها في زيارة عائلتها دون كشف حقيقة ما يحدث لها. أما زوجته التي ساعدته في احتجاز ضحيته خلال تلك المدة فهي التي ابلغت عنه الشرطة وتمت محاكمته . وتعتبر سيطرة هذا الخاطف على ضحيته بشكل كامل هو مثال على متلازمة ستوكهولم .

الدولة القمعية :

وعلى صعيد المجتمع ، يمكن مُلاحظة هذا التأثير في الأنظمة القمعية ، عندما لا تملك السلطة شرعيتها من أغلبية الشعب ، فتصبح وسيلة الحكم القمعية ضاغطة على افراد المجتمع ، ولمدة طويلة ، يطور خلالها الافراد علاقة خوف من النظام فيصبح المجتمع ضحية النظام ، ويدرك النظام هذه الحالة مع الوقت حتى يتقن لعبة ابتزاز المجتمع . فيعتاد الشعب على القمع والذل لدرجه تجعله يخشى من التغيير حتى وإن كان للأفضل ويظل يدافع عن النظام القمعى ويذكر محاسنه القليلة جداً دون الإلتفتات إلى مظاهر القمع والفساد الكثيرة وهو ما نشهده كثيراً اليوم في العراق من وجود فئات تتعاطف مع النظام البعثي المباد .

التعليقات مغلقة.