إنصافاً للمجتمع العراقي

512

إنصافاً للمجتمع العراقي

بقلم / حسن الربيعي

عند مراجعتي لمعظم كتابات المرحوم الدكتور علي الوردي وما يشاع عنه في الاوساط العامة، وجدت تهافتاً علمياً وظلماً واضحاً للشخصية العراقية خصوصاً فيما يسميه بـ (ازدواج الشخصية) و (التناشز الاجتماعي)، أذكر بعض ملاحظاتي:

١- ان المرحوم الوردي قد اقحم مفردة (ازدواج الشخصية) في غير محلها واستخدمها بطريقة غير علمية، ويعني المفهوم في مجال علم النفس الشذوذ في تكوين الشخصية حيث يتقمص المصاب به شخصية معينة تارة ويتحول عنها الى شخصية ثانية تارة اخرى.

٢-  يقول الوردي ان ازدواج الشخصية حالة عامة تظهر في جميع المجتمعات العالمية، ويتمثل بما قاله العالم الأمريكي كمبل يونغ في كتابه علم النفس الاجتماعي، ان الفرد الأمريكي يعاني صراعا بين القيم المسيحية التي ورثها من اسلافه المتدينين، والتي تدعو الى المحبة والعفو والايثار، وبين القيم التي تسيطر على الحياة الاقتصادية في مجتمعه والتي تدعو الى التكالب على الدنيا والتنافس في جمع الأموال. فالفرد الذي يعيش تحت وطأة هذين النظامين المتناقضين من القيم قد يصاب بشيء من ازدواج الشخصية على وجه من الوجوه.

اي ان الحالة التي وصفها المرحوم الوردي بالازدواجية تلازم اغلب المجتمعات المتحضرة ان لم نقل جميعها، بنسب متفاوتة قليلاً او كثيراً، بمعنى انه لا يستثنى منها الا المجتمعات البدائية والمنعزلة بعيداً عن الحضارة. وهي ليست من مختصات المجتمع العراقي كما يشاع وينسب الى الدكتور الوردي.

٤- أما فيما يخص مفهوم (التناشز الاجتماعي) فيقول المرحوم الوردي، هو ترجمة للمصطلح الذي جاء به العالم الاجتماعي المعروف أوغبرن ، وذكر انه قد جاء بهذه الترجمة في عام 1965 عندما اصدر كتابه (دراسة في طبيعة المجتمع العراقي) ثم عرضه على المجمع العلمي العراقي املاً ان يحظى منه بجواب ايجابي او سلبي (فلم أوفق في ذلك للأسف الشديد) حسب قوله .

إذن فهذا المفهوم غير واضح الدلالة العلمية وهو غير علمي ، وقد إستخدمه بغير محله وَوَصَمَ بِهِ المجتمع العراقي بغير حق .

ان هذين المفهومين (ازدواج الشخصية) و(التناشز الاجتماعي) تم تلاقفهما من قبل العديد من الكتاب غير المتخصصين واشاعوه في الوسط الثقافي العام النخبوي والشعبي، في حين ارى انهما بحاجة الى مراجعة علمية دقيقة، وفي نفس الوقت نحن بحاجة الى اعادة قراءة للشخصية العراقية التي تحمل في طياتها العديد من الصفات الايجابية نتيجة التراكم الحضاري الذي انتج منظومة اجتماعية رصينة مكنته من الصمود امام موجات الغزو الثقافي التي تعرض لها عبر الزمن، وبصورة عامة فان المجتمع العراقي قد مزج بين القيم الدينية والقبلية والثقافية، مما جعله يحمل بين طياته اهم عوامل النهوض والرقي والبناء الحضاري.

التعليقات مغلقة.