الحرب الناعمة .. أدواتها ، أهدافها ، كيفية التصدي لها

1٬029

الحرب الناعمة .. أدواتها ، أهدافها ، كيفية التصدي لها

يوسف الخاقاني

ماهية الحرب الناعمة ؟

التعريف الشائع لدى المثقف العربي عموما والعراقي خصوصا للحرب الناعمة هو ذات التعريف الذي يستخدمه منظروها من انها عبارة عن عمل مخطط له مُسبقاً للتأثير في الرؤى والأفكار والسلوك للمستهدف لتغيير هويته الثقافية وتبنيه لافكار العدو من خلال الجاذبية التي تلعب دورا أساسيا في الاقناع بدل الارغام والقوة العسكرية بهدف الحصول على اهداف ونتائج متوخاة .

هذا التعريف بحد ذاته هو تعريف (ناعم) وضع من قبل المنظر الأول لهذا الأسلوب من الحرب وهو (جوزيف ناي) بالتالي هو تعريف من وجهة نظر المصنع لا من وجهة نظر المتضرر .

فعندما يقول انه عمل مخطط له مسبقا لا يقول لك من هو المخطط لهذا العمل وبالحقيقة فان المخطط غالبا هو الاجهزة الاستخباراتية للعدو .

لو رجعنا الى الحروب التقليدية ونظرنا الى أي سلاح كالقنبلة النووية على سبيل المثال فهي من وجهة نظر صانعها قنبلة تعتمد الانشطار النووي لاحداث انفجار نووي يتسبب في تدمير كلي للمنطقة المستهدفة ـ أما من وجهة نظر المتعرض لها والمستهدف بها فهي أسوأ جحيم ممكن أن يراه انسان على وجه الأرض والقنبلة التي تدمر كل ما حولها وتترك اثارا اشعاعية تؤثر في بيئة وصحة المنطقة التي تعرضت لها لأجيال عديدة .

كذلك الحرب الناعمة (من وجهة نظر متلقيها) هي الحرب التي تدمر اهم البنى التحتية في البلد المستهدف وهذه البنية هي (الانسان) بهويته وثقافته ومبادئه لتحوله إلى مناصر لعدوه على نفسه من حيث لا يدري ولا يشعر .

وسائل الحرب الناعمة

بالعودة لتاريخ الحرب الناعمة التي تعتبر تطورا من الحرب النفسية والتي كانت أيضا من ضمن اختصاص الأجهزة الاستخباراتية وكانت تهدف الى تحطيم معنويات العدو جيشا او شعبا او كليهما وكانت اول وسائلها (الاشاعة) او ما يسمى الطابور الخامس ثم مع التقدم التكنلوجي أصبحت وسائل الاعلام من اذاعات وقنوات تلفازية وسيلة مساندة.  

هنا نلاحظ امرا مهما وهو ان بث الاشاعة كان يحتاج الى عملاء يعلمون بكونهم عملاء للعدو واحيانا يتقاضون اجرا عن عمالتهم. كذلك ان اغلب الاشاعات خاطئة وانها وان أحدثت بلبلة في هذا البلد او ذاك لفترة معينة الا انها لا تلبث ان تكتشف وهنا يشعر مصدقها بشيء من الخجل لانه كان متسرعا في حكمه او منساقا وراء الاشاعة او واقعا في فخ عدوه .

الحرب الناعمة غير ذلك تماما لانها تعتمد (الاقناع) وليس البث فقط – وتعتمد كذلك على اليات غسيل الدماغ الجمعي للشعب المستهدف. ووسائلها مختلفة من وسائل اعلام الى مواقع التواصل الاجتماعي الى البضائع الى لعب أطفال الى الى عدد ما شئت من الوسائل .

المشكلة الأساس في الحرب الناعمة ان الفرد فيها يصبح هو الأداة المخربة والمخربة في ذات الوقت أي انه يتحول الى عميل للعدو ينفذ له مخططاته وهو يحسب انه يحسن صنعا ويكون مصداقا للآية الكريمة ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ)) سورة البقرة/12 صدق الله العلي العظيم

هذه الآية الكريمة تلخص حال الواقع في فخ الحرب الناعمة الذي يتحول الى آلة تخريب وإفساد للمجتمع ككل وهو يحسب أنه مصلح له .

والمشكلة هنا نرى ان الفرد الواقع في فخ الحرب الناعمة ينبري للدفاع عن موقفه دون ان يعتريه خجل كما في حال الواقع في فخ الاشاعة او الحرب النفسية لأنه (مُقتنع) – وهذا هو معنى ان تتغير هويته وثقافته وسلوكه باستخدام الاقناع كما يعبر المنظرون في هذا المجال .

كيف يحصل الاقناع في الحرب الناعمة ولماذا يسهل الوقوع في فخها ؟

الاقناع يحصل بعدة طرق 

الطريقة الأولى :

إعتماد مضامين ظاهرها حق وباطنها باطل كما قال امير المؤمنين عليه السلام عندما صاح الخوارج (لا حُكم إلا لله) ، فقال عليه السلام : (كلمة حق يراد بها باطل)

الطريقة الثانية :

وهي الأخبث فهي طريقة تمرير الرسالة بين السطور أو دس السم في العسل . كمثال الرسائل التي يتم تبادلها على أي من برامج المراسلة او التواصل ، تأتيك رسالة طويلة ومليئة بالمعاني الجميلة سواء من التراث الإسلامي أو التراث الإنساني أو فيها مُحتوى تنموي رائع لكن هذه الرسالة فيها أيضا معلومة خاطئة او توجيه منافي للعادات او التقاليد او الثوابت في هويتي وشخصيتي وكياني كمُسلم ، يرى الفرد الرسالة فتعجبه ويُمررها إلى الاخوة والأصدقاء وغيرهم وهم بدورهم يمرروها لغيرهم ، وإذا بالناقل يتحول من حيث لا يشعر إلى مُروّج لفساد ديني أو أخلاقي أو سياسي أو إجتماعي أو أي نوع من أنواع الفساد .

الطريقة الثالثة :

ما يُمكن أن يُسمى بآليات غسيل الدماغ الجمعي ، وهذا الأمر أكثر ما يُستخدم فيه وسائل الإعلام والإعلانات والصور والمنشورات القصيرة وحتى الأغاني والتي تعتمد التكرار حتى يصبح الامر المراد ترسيخه في الذهنية أمراً مُسلماً به لدى الجميع .

وهذا ما أصبحنا نراه ونجده في واقعنا من قبيل أن ما كان بالأمس من أمور تعتبر عيباً في مُجتمعاتنا العربية أصبحت اليوم أمور مُعتادة بسبب كثرة تكرارها في الأفلام والمسلسلات ، وما كان مُستهجناً أصبح مقبولاً بسبب كثرة الإعلانات عنه .

أما أخطر آليات ووسائل غسيل الدماغ الجمعي هي الرسائل السمعية القصيرة الآمرة والمتكررة والتي تؤثر على العقل الباطن .

مثلاً عندما تقوم قناة تلفزيونية بإعادة مقطع صوتي يقول : (حرك إصبعك) يستمع إليه الفرد في اليوم عدة مرات (حرك إصبعك ، حرك إصبعك ، حرك إصبعك ، حرك إصبعك) بعد مُدة سيرتبط العقل الباطن مع العقل الواعي وسيقوم بتحريك الإصبع عند سماع هذه الجملة بدون إرادة منه ، وللمشاهد أن يتصور ماذا سيكون رد فعل عقله الباطن إذا تكررت رسائل مثل (إترك دينك ، أو إقتل أخوك ، أو دمّر ما حولك) .

كيف نتصدى للحرب الناعمة ؟!

يمكن التصدي للحرب الناعمة عن طريق :

1/ العمل على صنع جيش يعمل أفراده على التصدي للحرب الناعمة ويتحلون بالثقافة والوعي والبصيرة ، وهذا ما اكد عليه علماءنا الأعلام في أن التصدي للحرب الناعمة يحتاج الى بصيرة كبصيرة عمار “رض” ، عمار الذي قتلت أمه الحامل وأبوه أمام عينيه ولم يشك في الحق ، فالبصيرة هي نور القلب الذي يستطيع أن يميز بين الحق والباطل ويتبع الحق ، وتتأتى أهمية البصيرة من أقوال أهل البيت فعن الأمام الصادق (ع) أنه قال : “العامل على غير بصيرة كالسائر على غير طريق لا يزيده سرعة السير إلاّ بعداً”.

أما عن الوعي أو بمعنى آخر الفهم فهو وعي عام وخاص ، أما الوعي العام فهو فهم ما يواجهه الاسلام من تحديات ، وحجم الخطورة من المشروع الغربي ومشروع الممانعة ، ومعرفة ما يجري ولماذا يجري وأما الوعي الخاص فهو أن يفهم الانسان ما هو المراد منه ، وما هو المطلوب أزاء مشروع الإمام المهدي (عجل الله فرجه) وكيفية نصرته (عجل الله فرجه) وكيفية التصدي لأعدائه في كل الميادين والتمهيد لظهوره المبارك .

بالنتيجة نحن نحتاج إلى رفع مُستوى الثقافة والوعي والبصيرة لدى المتصدين خصوصاً والأمة الإسلامية عموما لأن الثقافة لوحدها غير كافية والوعي لوحده غير كافي بدون البصيرة حيث نرى اليوم المثقفين بلا وعي أو بصيرة يتجهون نحو الإلحاد ويكونون في مُقدّمة ضحايا الحرب الناعمة .

وأولئك الذين يملكون الوعي ولا يملكون البصيرة نراهُم يُفسدون من حيث يظنون أنهُم مُصلحون ، وكم من قاريء للقرآن والقرآن يلعنه ! من هُنا فإن من الضروري ..

  1. إستشعار مكائد العدو والتنبيه منها ، وهذا الأمر يتطلب الإنتباه من جميع أفراد المجتمع إلى كُل ما حولنا ومعرفة إن كان أصيلاً أم دخيلاً والتنبيه من كُل ما هو مُفسِد مع بيان وجه فساده .
  2. العمل على تحصين المجتمع بأساليب مَضادة .

وهذا دور مباشر لوسائل الاعلام المرئي والمسموع والمنشورات والملصقات وهذا يتمثل ببث البرامج التي تعزز الهوية الإسلامية وبث الرسائل التي توجه الانسان نحو الصلاح .

التعليقات مغلقة.