حلف بغداد 1955 .. التأسيس والأهداف الإستكبارية

4٬767

حلف بغداد 1955 .. التأسيس والأهداف الإستكبارية

بقلم / أحمد الغريفي

حلف بغداد هو أحد الأحلاف التي شهدتها حقبة الحرب الباردة ، أسس عام 1955 للوقوف بوجه المد الشيوعي في الشرق الأوسط ، وكان يتكون إلى جانب المملكة المتحدة (بريطانيا) من العراق وتركيا وإيران وباكستان .


والولايات المتحدة الأمريكية كانت هي صاحبة فكرة إنشاء هذا الحلف حيث وَعَدَت بتقديم العون الإقتصادي والعسكري للأعضاء ، ولكنها لم تشارك فيه بشكل مُباشر وإنما أوكَلَت بريطانيا بالقيام به . إنضم العراق لهذا الحلف بعد القمة العربية التي جَرى الإتفاق بموجبه على مُعاهدة الضمان الإجتماعي .

يُعد هذا الحلف أحد أقل الأحلاف نجاحاً في فترة الحرب الباردة (بين أمريكا والإتحاد السوفيتي) ، إذ إنسحب العراق من الحلف إبان قيام ثورة 14 تموز 1958 بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم ضد الحكم النظام الملكي الحليف لبريطانيا وأعلن الجمهورية العراقية وقد كان لنوري السعيد دور كبير في إنشاء هذا الحلف، وقد تبنى عبد الكريم قاسم سياسة مُحايدة وأقام علاقات دبلوماسية مع الإتحاد السوفيتي وإنسحب من الحلف . فعدل عن إسم حلف بغداد Baghdad Pact وتبنى إسم CENTO (إختصار Central Treaty Organization).

كما نآى الحلف بنفسه عن الصراع العربي الإسرائيلي في فترة الستينيات وإمتنع عن تقديم العون لباكستان في نزاعها مع الهند .

وبعد غزو تركيا لقبرص عام 1974 أوقفت أمريكا مُساعداتها العسكرية لتركيا . وفشل الهدف الأساس من وراء تأسيس هذا الحلف في وقف نفوذ الإتحاد السوفيتي الذي وَطّد وَوَسّع علاقاته في الشرق الأوسط خلال تلك الفترة مع مصر والعراق وسوريا واليمن الجنوبي والصومال. وفي عام 1979 حُلّ الحِلف مع إندلاع الثورة الإسلامية في إيران.

محطات تأريخية لحلف بغداد

فبراير 1954 : وقعت تركيا على معاهدة التعاون المشترك مع باكستان .

24 فبراير 1955 : وقع العراق وتركيا إتفاقاً عَسكَرياً بَينَهُما وَبَدأ يَستخدم مُصطلح “حلف بغداد” لتنضم كل من إيران وباكستان ، والمملكة المتحدة إلى حلف بغداد.

1959 آذار : إعلان العراق إنسحابه من الحلف بعد قيام النظام جمهوري الجديد بعد ثورة 14 تموز 1958 .

19 آب 1959: تغيير تسمية الحلف من (حلف بغداد) METO إلى حلف المعاهد المركزية CENTO .

1965 : حاولت باكستان الحصول على مُساعدة حلفائها في حربها ضد الهند فأصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار 211 في 20 أيلول ، وَدَعَمَت الولايات المتحدة وَالمَملَكَة المُتحدة قرار الأمم المُتّحدَة بقطع إمدادات الأسلحة لكلا الطرفين المُتحاربَين.

1971 : مع إندلاع حَرب جَديدة مع الهند تُحاول باكستان مَرّة أخرى – دون جدوى – الحصول على مُساعدة أعضاء الحلف . (قدمت الولايات المتحدة دعم عسكري محدود لباكستان ، ولكن ليس تحت عنوان CENTO).

1979 : سَحَبَت حكومة الجمهورية الإسلامية في إيران عضويتها من CENTO.

أعضاء حلف بغداد

الأمناء العامون

يُعين مجلس وزراء الحلف أميناً عاماً للحلف لمُدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد ، ليُشرف على أنشطة CENTO . وكان الأمناء العامون كما يلي :

عوني الخالدي (العراق) 1955 – 31 كانون الأول 1958

عثمان علي بيك (باكستان)، 1 كانون الثاني 1959 – 31 كانون الثاني 1961

عباس علي خلعتبري (إيران) ، كانون الثاني 1962 – كانون الثاني 1968

رفعت تورغوت مينمانجيوغلو (تركيا) ، كانون الثاني 1968 – 1 شباط 1972

ناصر العصار (إيران) ، 1 شباط 1972 – شباط  1975

أوميد خلوق بايلوكان (تركيا) ، كانون الثاني 1975 – 1 آب 1977

سيدار حسن محمود (باكستان) ، آب 1977 – آذار 1978

كاموران غورون (تركيا) ، 31 آذار 1978- 1979

الخلفية التأريخية للحلف

يُمكن تحديد بداية حلف بغداد Central Treaty Organization (CENTO) أو ما يُعرف بإسم المعاهدة المركزية في الرابع والعشرين من شباط 1955 عندما عَقَدَت تُركيا والعراق ميثاقاً يَنُص على «تعاون الدولتين في مجالات الأمن والدفاع». وتُرك باب العضوية مفتوحاً أمام الدول التي يعنيها الدفاع عن السلم والأمن في منطقة الشرق الأوسط من الخطر الشيوعي !!

وقد تلا عقد هذا الميثاق إنضمام بريطانيا إليه في نيسان 1955 وأعقب ذلك إنضمام الباكستان في تموز عام 1955 وإيران في تشرين الثاني عام 1955 وأصبح هذا التحالف معروفاً بـ(حلف بغداد).

وقد أخفقت مساعي نوري السعيد رئيس وزراء العراق في العهد الملكي آنذاك بإقناع عدد من الدول العربية ، وفي مُقدمتها مصر وسورية ، بالإنضمام إلى الحلف لقناعة هذه الدول الصحيحة بأن مصدر الخطر الحقيقي على المنطقة يتأتى من إسرائيل وحُلفائها الذين يقفون وراء الحلف وليس من الإتحاد السوڤييتي ، الذي بدأ يصبح المزود الوحيد للدول العربية المواجهة لإسرائيل بالسلاح والعتاد آنذاك ، والذي أقيم الحلف واقعياً لمواجهته دون سواه.

لم تنضم حكومة الولايات المتحدة الأمريكية إلى الحلف بصورة كاملة على الرغم من دورها المحرض على إنشائه . وإنما إقتصرت مُشاركتها على الإنضمام إلى عضوية (لجنة النشاط الهدام) وكذلك اللجنتين الإقتصادية والعسكرية التابعتين للحلف .

وقد استمر ذلك حتى عام 1959. وبعد ثورة العراق أصبحت أمريكا عضواً عاملاً كامل العضوية في هذا الحلف الذي وَصَفَتهُ بأنهُ كان «تطوراً طبيعياً من شأنه أن يدعم السلام والإستقرار وأحوال الرفاهية العامة في منطقة الشرق الأوسط كما أكدت أن الحلف لا يُمكن النظر إليه على أنهُ أداة للعدوان أو أنهُ موجّه ضد أمن أيّة دولة من الدول».

ويرى بعضهم وبحق «أن الدوافع التي أملت على الدول الغربية أن تتبنى هذا المشروع ترتبط بالقيمة الإستراتيجية الهائلة لمنطقة الشرق الأوسط من الناحية العسكرية بوصفه مُتاخماً للإتحاد السوڤييتي ومن الناحية الإقتصادية بوصفه مركز أكبر إحتياطيات معروفة من البترول في العالم».


وتبدأ فكرة حلف بغداد في الواقع إلى ربيع سنة 1953 عندما قام (فوستر دالاس) وزير خارجية الولايات المتحدة برفقة (هارولد ستاس) برحلة استطلاعية في الشرق الادني،واجرى محادثات في انقرة مع السيد (عدنان مندريس) رئيس وزراء تركيا،وقد خطرت في باله فكرة انشاء جبهة شرقية بمثابة «درع» يقي المنطقة الشرقية الشمالية من هجوم سوفياتي محتمل ، فكان من الضروري لتقوية هذا «الدرع» ان يصار الى جمع اكثر عدد ممكن من الدول المتاخمة لتركيا ، فيكون همزة وصل بين الحلف الاطلسي وحلف شرقي جنوب آسيا.

وفي كانون ثاني سنة 1954، دُعي (محمود جلال الدين بأيار) الرئيس التركي 1950-1960 الى واشنطن لتدارس الوضع مع رئيس الولايات المتحدة آيزنهاور ، وفي المحادثات ادلى (جلال بأيار) بتصريحات في مؤتمر صحفي عقده في واشنطن بأنه لم يعد ثمة مجال امام الحياد ، بل يجب الاختيار اما (بالتعاون مع دعوة الحرية او بالسير في طريق العبودية) وعلى اثر المؤتمر ثارت ثائرة الصحف السوفياتية وقالت احداهن «لقد خيل الى رئيس جمهورية تركيا بأنشاء درع ضد السوفيات ارضاء لأوصيائه الامريكان ، غير أنه سها عن باله ان هذا الدرع لا يلبث ان يتحطم بين يديه ، ذلك لان الدول المجاورة له غير راضية عن ذلك ،ولم يعر (بأيار) ولا رئيس وزراء (مندريس) اي اهتمام لتهديدات موسكو.

وفي 19 شباط سنة 1954 ، اعلنت حكومة تركيا وحكومة باكستان بأنهما قررا انشاء معاهدة تعاون متبادل بين البلدين ، فبرزت الى الوجود نواة حلف بغداد ،وقد تم توقيع الحلف التركي – الباكستاني في 2 نيسان 1954 في كراتشي ، وقد كان هذا الحلف يتسم بالصفة العسكرية دون ان يحمل اسمها في ظل المادة (51) من ميثاق الامم ، وقد رحبت الولايات المتحدة وبريطانيا بالحلف واعتبرتاه انتصاراً للعالم الحر.

إنضمام العراق الى الحلف ورفض العرب

ولما كان العراق جغرافياً يفصل بين كل من تركيا وباكستان فكان لابد من ان تكون الخطوة التالية إشراك العراق في الحلف واذا كانت فكرة الحلف التركي – الباكستاني وليدة الدوبلوماسية الاميريكية ، فقد كانت التكملة من صنع بريطانيا او بالاحرى من صنع نوري السعيد عراب حلف بغداد ورجل بريطانيا الأول في عراق العهد الملكي .

وقد كان السعيد مؤمن بأن مصلحة العرب عموماً والعراق خصوصاً تكمن في استمرار العلاقات بينهم وبين الغرب لا سيما بريطانيا.

ومما لا شك فيه أن نوري السعيد كان من دعاة «الدرع الشرقي» لا بل اكثرهم تحمساً له ، ولم ير في هذا «الدرع» او «الحلف» دفاعاً عن العراق ضد (المد الشيوعي) فحسب لا بل كان يرى فيه وقاية من أخطار وتغلغل دول الجوار العراقي في شؤونه الداخلية ، وكذلك الحفاظ على ثرواته وإنمائها ، كما كان يصرح للمقربين منه.
وربما كان يهدف من وراء ذلك الى بعث فكرة الهلال الخصيب في المنطقة ، تلك الفكرة التي كان قد تخلى عنها عام 1949 ، امام تأزم الحالة بينه وبين مصر والجزيرة العربية.

في نهاية عام 1954 زار رئيس الوزراء التركي (عدنان مندريس) بغداد وكان برفقته وزير خارجيته ، وقد جرت محادثات مع كل من رئيس الوزراء نوري السعيد ، وكذلك الوصي عبد الاله ، وصدر بلاغ اثر الزيارة يؤكد ضرورة عقد حلف للدفاع المشترك بين العراق وتركيا ضد اي اعتداء داخلي او خارجي . وما ان صدر البلاغ حتى هبت القاهرة والرياض والشام دفعة واحدة.

وفي كانون الاول سنة 1954 هددت مصر بالإنسحاب من الجامعة العربية ، ولكن يبدو ان تلك الحملات والتهديدات العربية العنيفة لم تكن لتؤثر على مجرى المحادثات بين بغداد وانقرة ، إذ في الثالث عشر من كانون الثاني سنة 1955 صدر بيان في بغداد موقع من حكومتي تركيا والعراق ، إثر مُحادثات إستغرقت عدة ايام ترمي الى عقد اتفاق غايته تحقيق وتوسيع التعاون لتأمين استقرار منطقة الشرق الاوسط وسلامتها . ويتضمن تعهداً بالتعاون لصد أي عدوان يقع عليها من داخل المنطقة او خارجها.

وذلك بناء على حق الدفاع الشرعي واستناداً الى المادة (51) من ميثاق الامم المتحدة.

وكان لهذا البيان اثر سيء في بعض العواصم العربية ، وقد وجه الرئيس المصري جمال عبد الناصر الدعوة الى رؤساء الحكومات العربية للاجتماع في القاهرة لتبادل وجهات النظر والموقف من هذا البيان.

وفي 14 كانون الثاني وصل وفد تركي الى بيروت على رأسه رئيس الوزراء «عدنان مندريس» وكذلك وزير خارجيته «كروبولو» ، بدعوة من حكومة لبنان ، وكانت غاية الحكومة اللبنانية كما يذكر الرئيس (سامي الصلح) في مذكراته ، معرفة جميع التيارات التي كانت تحيط بلبنان ، والوقوف على تفاصيل الابحاث والمناقشات المتعلقة بهذه ، المنطقة الحساسة التي ينتسب اليها لبنان ، ويحتل فيها موقعاً استراتيجياً حساساً ، فأن واقع لبنان يفرض عليه عدم التحالف مع اية دولة خارج نطاق الجامعة العربية ، وإلتزمت دولة لبنان آنذاك على الصعيد الرسمي الحياد بين جماعة حلف بغداد والدول العربية المناوئة له.

وفي 18 كانون الثاني أي في اليوم الذي غادر فيه الوفد التركي لبنان ، اصدرت الحكومة السعودية بياناً ايدت فيه موقف الحكومة المصرية واستنكرت بشدة الاتفاق العراقي – التركي وأسفت لاتخاذ الحكومة العراقية هذا الموقف ، ومما جاء في البيان ان الحكومة السعودية لا تؤيد ولا تقر اي اتفاق لم يبحث في الجامعة ، وكما وان الملك سعود قد نصح رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد بعدم (توريط) العراق بأتخاذ هذه الخطوة.


مؤتمر الجامعة العربية في القاهرة

وفي 22 كانون الثاني 1955 اجتمع في القاهرة رؤساء الحكومات العربية بناء على دعوة الرئيس المصري ، وبحثوا الخطوط الرئيسية للسياسات العربية ، والتعاون الاقتصادي والمساعدات الاقتصادية والعسكرية ومشروع الاتفاق العراقي – التركي.

واتخذ رؤساء الحكومات العربية توصيات بتركيز السياسات الخارجية وفق ميثاق الجامعة العربية ومعاهدة الدفاع المشترك ، والتعاون الاقتصادي ، وميثاق الامم المتحدة ، وأن لا تقر أحلافاً غير ذلك ، كما اقرت التعاون مع الغرب شرط حل القضايا العربية حلاً عادلاً ، وإتاحة القوة اللازمة للبلدان العربية كي تحافظ على سلامتها وكيانها من اي عدوان ، بدون ان يكون في ذلك انتقاص من سيادتها على ان مناقشة مشروع الاتفاق العراقي-التركي اسفرت عن تباين عميق في الآراء.

والجدير بالذكر أن نوري السعيد إعتذر عن حضور الاجتماع ولم تفلح كافة المحاولات في تغيير موقفه وقد علل عدم مجيئه الى القاهرة بدواعي صحية ، فأناب عنه في الاجتماع مندوب العراق في جامعة الدول العربية.

وقد استقر الرأي في هذا الاجتماع على ارسال وفد الى بغداد للقيام بمحاولة يائسة لإقناع نوري السعيد وسائر رجالات العراق بالعدول عن هذا التحالف الذي (صدع الصف العربي) ،
ولم تسفر المحادثات التي اجراها وفد الجامعة العربية في بغداد عن نتيجة.

وتصاعدت الحملات الاعلامية بين بغداد والقاهرة . وكان ابتعاد العراق عن الحظيرة العربية فضلاً عن أنه سابقة خطيرة فهو أمر ينذر بالانفجار وفي هذا الجو المضطرب وبعد ان شعرت الدول العربية ان نوري السعيد سيمضي في مشروعه الى النهاية.

وكان راديو بغداد قد نقل نقاشات مجلس النواب العراقي والتي تضمنت الدفاع عن مشروع (حلف بغداد) وكذلك رد الاتهامات السعودية والمصرية ، وقد وجه النائب محمود بابان نقداً لاذعاً لمصر .

وعلى الرغم من الغضب العربي فأن رئيس الوزراء نوري السعيد لم يتراجع ، ففي 25 شباط 1955 تم توقيع الحلف في بغداد لمدة خمس سنوات اسوة بشروط الحلف الذي تم بين تركيا وباكستان،وفي الحال اعلنت الحكومة البريطانية ارتياحها وتأييدها ، واكدت رغبتها في الانضمام الى الحلف وقد تم ذلك بعد مرور عشرين يوماً من اتفاق بغداد.

اما واشنطن فقد ابدت بعض التحفظات وواجهت بعض الاحراج امام حليفتها السعودية لكنهم يعلمون ان الحلف سيفيدهم كثيراً وخصوصاً من الناحية العسكرية التي يسعون لتحقيق مكاسب فيها ، وقد نقلوا فوراً قاعدتهم العسكرية من طرابلس الغرب في ليبيا الى (أخنه) في تركيا وبالنسبة لسوريا فلم يكن هناك اي امل في انضمامها الى الحلف فهي منذ عدة سنوات تطالب بلواء (الاسكندرون) من تركيا ، إلا انها حاولت التدخل لتخفيف الحملة ضد الحلف مخافة من ان تقع هي ضحية بين بغداد وانقرة.

وفي الاردن فقد لاقت الفكرة قبولاً ورواجاً كبيرين ، وذلك مقابل 22 مليون جنيه استرليني كانت تدفعها الحكومة البريطانية سنوياً لخزينتها ، واوفدت الحكومة البريطانية وفداً الى عّمان لاقناع الملك حسين ، غير ان هذه الجهود ذهبت سُدى وبصورة دراماتيكية فإستقال أربعة وزراء من الحكومة في نفس اليوم الذي تقرر فيه توقيع المعاهدة ووقعت بعض الحوادث الدامية في عمان والمدن الاردنية ، وتعاقبت ثلاث حكومات في غضون ثمانية ايام وشعر الملك حسين بخطورة الامر ، فتخلى عن فكرة الحلف ، ثم اعلنت الحكومة الاردنية رسمياً عدم انضمامها الى حلف بغداد ، وعلى الاثر قام سعود بن عبد العزيز بتهنئة الملك حسين وهذا ما قام به الرئيس المصري جمال عبد الناصر ايضاً وقد قررت السعودية ومصر ان يدفعا الى الاردن نفس المبلغ الذي كانت تدفعه لها بريطانيا .

الدول الأعضاء في حلف المعاهدة المركزية

إيران ، الباكستان ، تركيا ، المملكة المتحدة “بريطانيا”، الولايات المتحدة الأمريكية .

أما العراق الذي كان عضواً مؤسساً في الحلف فقد إنسحب رسمياً منه عقب ثورة عام 1958 الوطنية وذلك بتأريخ 24 آذار 1959.

وكان حرياً بالباكستان أن تنسحب من هذا الحلف أيضاً بعدما أخفق أعضاؤه في نجدتها في أثناء حربها مع الهند عام 1971. غير أنها لم تفعل لسبب بسيط وهو أن الإتحاد السوڤييتي الذي أُنشأ الحلف لمواجهته كان حليف الهند في هذه الحرب.

أهداف حلف المعاهدة المركزية الظاهرية

نَصّت المادة الأولى من مُعاهدة حلف بغداد على أن الغرض من إقامته هو الدفاع عن أمن وسلامة الأطراف المُتعاقدة . وَتَعَهّدَت هذه الأطراف بموجب المادة الثالثة بالإمتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية لبعضها ، وكذلك بتسوية مُنازعاتها بالطرق السّلمية تمشياً مع ميثاق الأمم المُتحدة .

أما مُدة سريان مُعاهدة الحلف فقد حَدّدتها المادة السابعة بأنّها خمس سنوات قابلة للتجديد مُدّة مُماثلة ، وقد كفلت هذه المادة حق الإنسحاب لأي من الدول المتعاقدة وذلك بتقديم إخطار خطي قبل ستة شهور من إنتهاء مفعول المعاهدة . وَجَلي أن هذا النص لم يُراع في إنسحاب العراق من الحلف ، فقد كان هو حريصاً على هذا الإنسحاب . ولم تكن الدول الأطراف الأخرى بعد ثبات النظام الجديد في بغداد حريصة على إستمرار العراق في عضويته لإنعدام وجود الهدف المشترك بين هذا النظام وأنظمة الدول الأطراف الأخرى ونعني بذلك مُعاداة المعسكر الشيوعي. وقد كان مقر قيادة الحلف في بغداد ثم نقل منه إلى أنقرة بعد إنسحاب العراق منه.

المنطقة الجغرافية التي يغطيها الحلف

مع أن البيانات التي أطلقت حين إنشاء الحلف ركزت على أمن وسلام منطقة الشرق الأوسط ككُل ، إلا أنهُ يتضح من إستقراء نصوص ميثاق الحلف أن المنطقة المغطاة جُغرافياً بدفاعه هي أقاليم كُل من إيران والباكستان وتركيا والعراق .

والواقع أن نظرة إلى خارطة العالم تبين أن المعسكر الغربي بهذا الحلف إستكمل الطوق الذي أقامه حول المُعسكر الشيوعي فحلف الأطلسي يطوق الاتحاد السوڤييتي في الغرب وحلف المعاهدة المركزية يُطوّقهُ في الجنوب وحلف جنوب شرقي آسيا يُطوّق الصّين والإتحاد السوفيتي في الشرق والجنوب الشرقي .

أجهزة الحلف ونشاطاته

كان الجهاز الرئيس للحلف هو المجلس الذي يتألف من وزراء الخارجية للدول الأعضاء أو من ينوب عنهُم ، وقد تولى توجيه السياسة الدفاعية العُليا للحلف ، وكانت قراراته تصدُر بالإجماع ، وكان للحلف لجان مُختلفة أهمها : اللّجنة العسكرية ومُهمتها توجيه النشاط العسكري للحلف، كما كانت لهُ لجان للنشاط الهدام ، والإقتصاد ، والإتصال . وكان للحلف مجلس علمي ، ومركز ذرّي في طهران ، وأمانة عامة في أنقرة.

ومع قيام الثورة الإسلامية في إيران في شباط 1979 وإعلانها إنسحاب الجمهورية الإسلامية الإيرانية من الحلف سُطر أخر سطر في حياة هذا الحلف واقعياً.
ويمكن القول إن حلف المعاهدة المركزية لم يعُد لهُ أي وجود محسوس في المنطقة العربية . وكان حتى قبل إنفراط عقده قد تحوّل في مَظهرِهِ الغالب من حلف عسكري إلى إدارة للتنسيق والتشاور السياسي بين الدول الأطراف فيه ، ويرجع ذلك في رأي بعض الكُتاب إلى أن الأحلاف العسكرية قد فقدت بوجه عام فعاليتها الإستراتيجية من الناحية العسكرية البحتة وأصبحت فائدتها تتركز أكثر في جوانب التخطيط والتنسيق السياسي.

والحقيقة أن حلف المعاهدة المركزية فقد فاعليته أولاً بإخفاقه إستقطاب الدول العربية الأخرى إليه لتشكيل منطقة عميقة إستراتيجياً في وجه الإتحاد السوڤييتي .

وثانياً أنهُ أضحى غير ذي موضوع إزاء إزدياد الوجود السوڤييتي داخل المنطقة العربية ذاتها من غير حاجة لهجوم مُسلح عليها كما إعتقد أرباب الحلف ، فالإتحاد السوڤييتي بدأ في مُنتصف الخمسينيات داخل المنطقة التي أُريد لهُ عدم دخولها سلمياً وذلك عن طريق الدعم العسكري والمادي والمعنوي الذي منحهُ للدول العربية المواجهة لإسرائيل ، وخاصة سورية والعراق ومصر في حين اتخذت دول المعسكر الغربي موقف العداء لهذه الدول والتأييد لعدوها الصهيوني . لذا جاء إنسحاب إيران منهُ بمثابة طلقة الرحمة لحلف أصبح طي النسيان التام .

نهاية حلف بغداد

حلف بغداد الذي جاء بداية على شكل ميثاق بين العراق وتركيا والذي نص على «لا تعاون بين الدولتين في مجالات الامن والدفاع» وترك باب العضوية مفتوحاً اما الدول التي ترغب الانضمام اليه وقد تلا هذا الميثاق انضمام بريطانيا اليه في نيسان 1955 واعقب ذلك انضمام باكستان في تموز في ايران في تشرين الثاني من نفس العام ، هذا الحلف لم يحقق ما كان مأمولاً منه ، حيث يعتبر احد اقل الاحلاف نجاحاً في فترة الحرب الباردة ، ولم يكن له تأثيراً مهماً في حقيقة الامر.

تظاهرات في سوريا تندد بحلف بغداد

وقد نصت المادة الاولى من معاهدة حلف بغداد على ان الغرض من اقامته هو الدفاع عن امن وسلامة الاطراف المتعاقدة ، وتعهدت هذه الاطراف بموجب المادة الثالثة بالامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية لبعضها ، وكذلك تسوية منازعاتها بالطرق السلمية تمشياً مع ميثاق الامم المتحدة . اما مدة سريان معاهدة الحلف فقد حددتها المادة السابعة بأنها خمس سنوات قابلة للتجديد مدة مماثلة وقد كفلت هذه المادة حق الانسحاب لأي من الدول المتعاقدة وذلك بتقديم إخطار خطي قبل ستة شهور من انتهاء مفعول المعاهدة ومن الواضح ان هذا النص لم يؤخذ به اثناء انسحاب العراق من الحلف ، فقد كان هو حريصاً على هذا الانسحاب ، ولم تكن الدول الاطراف الاخرى حريصة كذلك على استمرار العراق في عضويته وذلك لانعدام وجود الهدف المشترك بين النظام العراقي الجديد بعد ثورة تموز 1958 وانظمة الدول الاطراف الاخرى وخصوصاً في نقطة معاداة المعسكر الشيوعي.

وبعد انسحاب العراق رسمياً في آذار 1959 نقل مقر قيادة الحلف من بغداد الى انقرة ، وكان جديراً بباكستان ان تنسحب من الحلف بعدما اخفق اعضاؤه عن نجدتها في اثناء حربها مع الهند عام 1971.

كذلك فقد نآى الحلف بنفسه عن الصراع العربي – الاسرائيلي في فترة الستينيات ، وبعد غزو تركيا لقبرص عام 1974 اوقفت امريكا مساعداتها العسكرية والمالية لتركيا.

وبالنسبة للهدف الاساسي من وراء الحلف فقد فشل في وقف نفوذ الاتحاد السوفيتي الذي وطد ووسع علاقاته في الشرق الاوسط.

ومع قيام الثورة الاسلامية في ايران في شباط 1979 واعلانها الانسحاب منه فقد تم حل الحلف نهائياً .

التعليقات مغلقة.