فلسفة الجوع !!

561

فلسفة الجوع !!

بقلم / أحمد رضا المؤمن

في الأيام الأولى من شهر رمضان المبارك تشعر بمشاعر خليطة من الضعف والتعب والجوع والعطش والحرمان وأحياناً الغضب وبعض الإنفعالات الأخرى ..

ولعل أشد وأقوى هذه المشاعر وأكثرها إلحاحاً هو الجوع بصورة خاصة ، والذي تشعُر من خلاله بأن معدتك ساخطة عليك فتصرخ مُحتجة بأعلى صوتها من خلال ما تنفثه من روائح كريهة عبر الفم وَوَهَن عام في أنحاء جسدك يجعلك تتشوق بشغف وتتطلع بحرارة إلى موعد الإفطار حيث يتسنى لك حينها بأن تنتقم وتثأر لمعدتك التي أنهكتها معارك إحتمال الجوع والعطش ، ثم بعد ذلك .. تبدأ بالإرتياح أطرافك وتجري الدماء في عروقك .. ويعود السلام والوئام بينك وبين معدتك الخاوية وكأن شيئاً لم يكُن قبلها ..!!

إلى هُنا تنتهي جميع هذه المشاعر والمعاناة من جوع وعطش وتعب وكأن هذه المشاعر التي جاهدتها طوال النهار لم تُكسبك درساً أخلاقياً أو أي شيء آخر !!

هل تعلم أخي الصائم أن ما شعرت به خلال ساعات النهار أثناء صيامك من جوع وعطش وحرمان هو نفس ما يشعُر به ملايين بل عشرات الملايين من البشر على سطح هذه الكرة الأرضية وطوال اليوم كله وليس النهار وحده !

وهل تعلم بأن الملايين الآن في هذا العالم لا يجدون حتى شربة ماء كافية وصحية لشربها وإلإرتواء منها ؟!

هل فكرت بهؤلاء الذين يُقاسون ما تقاسيه من الجوع والعطش والإنهاك ؟!

بل على الأقل هل فكرت بمن يُقاسون هذه المعاناة من أبناء دينك في بلادك أو حتى أبناء مدينتك ومحلتك الأقربون ؟!!

هل فكّرت أو تسائلت لماذا فرض الله عليك فريضة أبرز ما فيها وأقساه هو الجوع والعطش مدة نهار كامل من الفجر إلى المغرب ثلاثون يوماً من كل عام ؟!!

هل فكّرت بما يتركه الجوع من آثار سلبية فظيعة على تصرفات وسلوك الإنسان العقلية والنفسية والعاطفية والجسدية إذا كان جوعه وعطشه دائماً ؟!!

جرب أن تحرم نفسك من الطعام والشراب وغيره كما لو كُنت صائماً لمدة يومين أو ثلاثة أيام متواصلة ثم لاحظ نفسك وما يحصل لك ..

لاحظ كيف أن لُقمة صغيرة وبسيطة من الأكل ستصبح في عينيك من أشهى المأكولات !! وكذلك القليل من الماء يصير في عينيك زلالاً فراتاً عذباً !!

راقب أعصابك ومشاعرك وعواطفك وكيف تبدأ بالحدة والتوتر شيئاً فشيئاً وتتحول ردود أفعالك نحو الخشونة ، خاصة إذا لم تكن من الذين يُجيدون التحكم بأخلاقهم وطباعهم ونفوسهم الأمارة بالسوء !!

تَفَكّر وَتَدَبّر في كُل هذا وذاك .. فكّر في فلسفة الجوع التي أراد الله عَزّ وَجَل لَك أن تُعانيها وتقاسي مرارتها ثلاثون يوماً من كُل عام ..

كي لا تكون أنانياً .. كي لا تكون وحشياً .. كي تُفكّر بأخيك الإنسان بصورة عامة والمسلمين بصورة خاصة ، في العراق ، في سوريا ، في أمريكا اللاتينية ، في أفريقيا ، في أفغانستان ، أو الهند أو الباكستان أو بنغلاديش أو الصومال .. وفي كُل مكان فيه أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق .

بل حتى في بلادك ومدينتك أينما كانت على الأقل ، ولن يتحقق ذلك إلا بإتباع ما أمر الله والإنتهاء عما نهى وبسط أيدينا لفُقراءنا والمحرومين سراً وعلانية وتفقد أحوالهم والسعي في إطعام جياعهم وعلاج مرضاهم وتعليم جهلائهم ، ولا نكتفي بالجوع ساعات النهار لنعوّضها بما لذ وطاب من المأكولات والمشروبات بعد الإفطار ، وتذكر قول أمير المؤمنين الإمام علي “ع” : (إن الله سُبحانهُ فرض في أموال الأغنياء ما يكفي الفقراء ، فما جاع فقير إلا بما متع به غني والله تعالى سائلهم عن ذلك) .

فلا يغلبن أخي المسلم الجشع على قلبك وتحرم من تستطيع عونه على فقره وحرمانه في دنيا الوحوش هذه .

دعونا نُرَدّد ما رواه الكفعمي في المصباح وفي البلد الأمين وما رواه الشّيخ الشّهيد أيضاً في مجموعته عن النّبي “ص” من أنّه قال : من دعا بهذا الدّعاء في رمضان بعد كُلّ فريضة غفر الله له ذنوبه إلى يوم القيامة :

(اَللهُمَّ اَدْخِلْ عَلى اَهْلِ الْقُبُورِ السُّرُورَ اَللّـهُمَّ اَغْنِ كُلَّ فَقير ،

اَللّـهُمَّ اَشْبِعْ كُلَّ جائِع ،

اَللّـهُمَّ اكْسُ كُلَّ عُرْيان ،

اَللّـهُمَّ اقْضِ دَيْنَ كُلِّ مَدين ،

اَللّـهُمَّ فَرِّجْ عَنْ كُلِّ مَكْرُوب ،

اَللّـهُمَّ رُدَّ كُلَّ غَريب ،

اَللّـهُمَّ فُكَّ كُلَّ اَسير ،

اَللّـهُمَّ اَصْلِحْ كُلَّ فاسِد مِنْ اُمُورِ الْمُسْلِمينَ ،

اَللّـهُمَّ اشْفِ كُلَّ مَريض ،

اللّهُمَّ سُدَّ فَقْرَنا بِغِناكَ ،

اَللّـهُمَّ غَيِّر سُوءَ حالِنا بِحُسْنِ حالِكَ ،

اَللّـهُمَّ اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَاَغْنِنا مِنَ الْفَقْرِ ، اِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيء قَديرٌ) .

التعليقات مغلقة.