مرجعية العصائب ومدرستها الفكرية .. إمتداد طبيعي للمرجعيات الحركية

974

مرجعية العصائب ومدرستها الفكرية .. إمتداد طبيعي للمرجعيات الحركية

بقلم / أحمد رضا المؤمن

يمتاز كل حزب أو تنظيم سياسي بمرجعية فكرية ودينية وإجتماعية وثقافية خاصة به تشكل إطروحاتها المعالم الأساسية التي يبتني عليه الحزب ركائزه التنظيمية وتفاعلاته الحركية في الحياة. وفي العراق تتسم الأحزاب والتنظيمات بتنوع وتعدد مرجعياتها وبالتالي تنوع مدارسها الفكرية حتى ضمن آيديولوجيا المدرسة النوعية الواحدة.

فترى الأحزاب اليسارية تتوزع مرجعياتها الفكرية بين الإتحاد السوفيتي (سابقاً) والصين ودول أمريكا اللاتينية وغيرها . وكذا الأحزاب القومية يرجع بعضها إلى المدرسة القومية المصرية (الناصرية) والبعض الآخر إلى المدرسة السورية (الأسدية) وغيرها . أما الأحزاب الإسلامية فهي الأخرى بشقيها الشيعي والسني مُتعددة ومُتنوعة المراجع وبحسب ظروف تأسيسها والمباني الفكرية لمدرستها الآيديولوجية التي تنتمي إليها.

فمثلاً حزب الدعوة الإسلامية يبني مدرسته الفكرية على إطروحات ومواقف وفتاوى شهيد العراق المرجع السيد مُحمّد باقر الصّدر “رض” ومن بعده العلاّمة المرجع السيد مُحمّد حُسين فضل الله “رض” . أما المجلس الأعلى الإسلامي والأحزاب والتيارات التي ولدت من رحمه مثل منظمة بدر وتيار الحكمة فهم يعلنون أنهُم يتخذون من مواقف وفتاوى ومرجعية السيد السيستاني أساساً فكرياً يسير المجلس على نهجه وخطاه.
أما حزب الفضيلة الإسلامي فهو يستند إلى مرجعية الشيخ مُحمّد اليعقوبي ومواقفه وفتاواه ليبني عليها أسسه التنظيمية ومواقفه السياسية.

بينما بعض الأحزاب والحركات تعلن عن إتباعها وإلتزامها بمرجعية السيد الخامنئي “دام ظله الوارف” مثل كتاب حزب الله وغيرهم .

مرجعية عصائب أهل الحق .. مدرسة فكرية متكاملة

أما حركة عصائب أهل الحق فهي من الأحزاب الإسلامية الصدرية التي لها مرجعيتها الفكرية والفقهية والسياسية والثقافية الواضحة والمعروفة والموصى بها من المرجع الشهيد السيد الصدر الثاني “رض” نفسه . وهو أمر معروف ومشهور وموثق مع توضيح آلية التقليد والمرجعية والولاية ، فالشهيد الصدر الثاني كان يؤكد مراراً وتكراراً على الرجوع من (بعد زواله عن الساحة) إلى (الأعلم) من بعده في الأصول والفقه والذين شخّصَهُم بثلاثة أشخاص من أبرز تلامذة الشهيد الصدر الأول “رض” وهُم : (شهيد الجمعة السيد مُحمّد الصدر ، السيد كاظم الحسيني الحائري ، السيد محمود الهاشمي الشاهرودي).

كما لم يفُت المرجع الشهيد الصدر الثاني أن يُبين لأتباعه ومُقلديه ومُريديه تفاصيل الفرق بين مفهوم (المرجعية والتقليد) ومفهوم (الولاية) ومسألة إمكان الجمع بينهما أو التفريق بينهما تكليفاً وأداءً. فـ(المرجعية والولاية) في مفهوم الشهيد الصدر وكما بين في أكثر من موقف ومُناسبة (إنظر إلى مقابلته مع الشيخ عبد الستار البهادلي والشيخ مُحمد النعماني) أنها من الممكن أن تجتمع في شخص واحد كما حصل معهُ “رض” عندما تصدى لهُما معاً ، وأيضاً يُمكن أن لا يجتمعا ، فيُمكن للمُكلف المقلد أن يُقلد المرجع الأعلم حتى وإن لم يكُن مُتصدياً لولاية الفقيه.
وهو ما حصل بعد إستشهاده “رض” ، حيث ترجع القواعد الشعبية لحركة عصائب أهل الحق إلى المرجع السيد الحائري بحسب وصية وشهادة المرجع الشهيد الصدر الثاني له ، بينما ترجع الحركة فيما يخص عنوان ولاية الفقيه إلى سماحة المرجع الولي الفقيه السيد علي الحسيني الخامنئي كونه الولي الفقيه الشرعي الكفوء العادل الشجاع المتصدي وبشهادة المرجع السيد الحائري نفسه والذي أرجع الشهيد الصدر الثاني مُقلديه إليه في التقليد والفُتيا .

العصائب ومرجعية السيد السيستاني

أما في القضايا الداخلية العراقية فإن الأمين العام للحركة سماحة الشيخ قيس الخزعلي أعلنها بصراحة ووضوح وفي أكثر من مُناسبة ، وآخرها في مُقابلة ببرنامج حواري في قناة الرشيد الفضائية عام 2018م بأن حركة عصائب أهل الحق ومعظم قياداتها وكوادرها تقلد المرجع الشهيد السيّد مُحمّد الصدر “رض” وفي المسائل المستحدثة يرجعون إلى المرجع السيد كاظم الحائري ، ولأن المرجع السيد الحائري أرجع مُقلديه في العراق إلى السيد الخامنئي “دام ظله الوارف” في الأمور السياسيّة والأمور التي يُصطلح عليها بالولاية العامة ، فإن ولي أمر المسلمين السيد الخامنئي بدَوره يُرجع الأمور في العراق إلى المرجع السيد السيستاني وأن الرأي في العراق هو رأي السيّد السيستاني ما دام له رأي أو موقف في قضاياه .

وبذلك فإن الحركة اليوم تعيش الإنفتاح في الأجواء الفكرية لمدرسة ولاية الفقيه بأهم وأبرز رموزها السيدين الخامنئي والشهيد الصدر الثاني . وهذه المدرسة الفكرية أثبتت ومنذ تحولها من حيز النظرية إلى حيز التطبيق بعد إنتصار الثورة الإسلامية في إيران في 11/شباط/1979 أنها الأقدر والأكفأ والأجدر على مواجهة التحديات المعاصرة للأمة الإسلامية ورسالتها وعقيدتها في قبال الهجمات الجاهلية والإستكبارية وغيرها .

كما أتاح إنتماء (عصائب أهل الحق) إلى مدرسة ولاية الفقيه مساحة واسعة جداً من التفاعل مع أحداث الأمة الإسلامية والإندكاك مع قضاياها المصيرية وبكُل أبعادها الثقافية والإجتماعية والسياسية بحيث جعل الحركة محط آمال الخط الإسلامي الأصيل الذي يتفاعل مع الأمور على نحو حركي تطبيقي واقعي وليس من خلال شعارات وتنظيرات مُترفة . ولعل أهل أسباب هذه المرونة والواقعية والمبدئية التي تتصف بها المدرسة الفكرية لأهل الحق هو نوع المراجع والشخصيات والرموز التي ترجع إليها الحركة سواء في الولاية أو المرجعية أو كليهما ، وإطلالة بسيطة على سيرة ومسيرة مراجع وفُقهاء وعلماء مثل السيد الخميني والشهيدين الصدرين والسيد الخامنئي يكشف لنا بوضوح معالم الخط والمدرسة الحركية التي أصبحوا رموزها.كما أن من مزايا هذا الخط أنهُ يعيش الإنفتاح والتفاعل على جميع الألوان الفكرية والثقافية ما دامت تلتقي وتصب في مَصَب تحري وتقصي حاجات وهموم المستضعفين في العالم . فتجد حركة العصائب مُنفتحة فكرياً على رموز مرجعية وعُلمائية عديدة مثل المرجع المرجع الراحل السيد مُحمد حُسين فضل الله والشهيد مُرتضى المطهري .. إلخ . بل تلتقي المدرسة الفكرية للعصائب حتى مع المدارس الفكرية غير الإسلامية في العالم تحت عنوان (الإستضعاف) ومُحاربة (الإستكبار) الذي يقوده الثالوث المشؤوم (أمريكا وبريطانيا وإسرائيل).

وهذه المرونة والإنفتاح في المرجعية الفكرية للعصائب أتاح لها إمكانية (التكامل) مع إطروحات المرجعيات الأخرى حتى تلك التي لا تعتمدها الحركة في الولاية أو المرجعية والتقليد تطبيقاً لقوله تعالى (( فَبَشِّرْ عِبَادِي الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ )).

وظاهرة الإنغلاق والتحجر الفكري أمرٌ خطير وقعت فيه الكثير الأحزاب والحركات السياسية العراقية ومنها الأحزاب الإسلامية عندما أغلقت على نفسها أبواب الإنفتاح الفكري وتعددها وتجمدت في مرجعيات فكرية مُحددة ومُشخّصة فأصبحت مرجعياتها الفكرية ذات بعد مُشخصن أكثر منه بُعداً حركياً .

بينما تميزت (الآلية) المرجعية المكونة لمدرستها الفكرية أنها أصبحت إمتداداً مُستمراً للمرجعيات السابقة التي تنطبق عليها عناوين فكرية مُعينة ، فمرجعية العصائب هي إمتداد طبيعي لمرجعيات السيد الخميني والشهيدين الصدرين والسيدين الحائري والهاشمي ، وجاء إلتزامها بولاية الفقيه المتمثلة بالسيد الخامنئي ليُجسد حَيوية مدرستها الفكرية والتحرك والإنتقال من منطقة النظرية إلى منطقة التطبيق . وكمظهر واضح من مظاهر حيوية وآثار إلتزام الحركة بمدرسة ولاية الفقيه ورموزها ما تبين وإتضح للعالم في مواقف العصائب من أحداث وقضايا الأمة الإسلامية وتفاعلها معها حتى أثناء فترة المقاومة العسكرية المسلحة ضد الإحتلال وقبل دخولها العملية السياسية ، فكان للحركة مواقف مشهودة في نصرة هذه القضايا والتفاعل معها بكل ما تقتضيه طبيعة القضية وتحدياتها ، ومن تلك الأحداث والقضايا : (الإعتداء الصهيوني على الشعب اللبناني ، قضية الإعتداء على حُرمة القرآن الكريم والتهديد بحرقه من قبل القس المتطرف «تيري جونز» ، ثورة البحرين ، ثورة الشعب اليمني وحركة أنصار الله بقيادة السيد الحوثي ، الإحتلال الصهيوني لفلسطين ، .. إلخ) ومن ثم الدفاع عن حرمة مرقد العقيلة زينب “ع” والمقدسات في سوريا . حيث كان رد الفعل العصائبي تجاه هذه القضايا والأحداث سريعاً ومُتنوعاً بين ضربات عسكرية موجعة لقوات الإحتلال في العراق آنذاك وبين مُبادرات إنسانية وثقافية وبين مواقف مبدئية مُسجلة وموثقة تفتخز بها الحركة أمام التأريخ . ولذا يُمكن إعتبار أهم معالم المدرسة الفكرية للعصائب أنها تستند إلى أهم المباديء الإسلامية التي أوضحها النبي الأكرم “رض” بقوله : (من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين ليس بمُسلم) .فعلى هذا الأساس لا يُمكن تصوّر المدرَسَة الفكرية التي تنتمي إليها عصائب أهل الحق دون أن يكون لها موقف ورأي حركي ومبدئي مُستمد من مدرسة ولاية الفقيه ورموزها ومراجعها . وهذا كُله يُضاف إليه المرجعية الفكرية الأصل الجامعة المتمثلة بالقرآن الكريم والمؤسسة للمرحلة البشرية النهائية أو مرحلة (الوراثة والإنتصار) بقيادة صاحب العصر والزمان “ع” (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) وهي في حقيقتها ثمرة كُل النشاط البشري من آدم إلى آخر الزمان .

التعليقات مغلقة.