من سور الصين العظيم .. النفط مُقابل البناء

485

من سور الصين العظيم .. النفط مُقابل البناء

بقلم / عبد الحسين الهنين مُستشار رئيس الوزراء

لا شيء مما حدث مع الصين كان وليد الصدفة ، فالإتفاقات التي أبرمت إنما كانت تطبيقاً عملياً لجهد فكري سبق أن كتب فيه رئيس الوزراء قبل سنوات عدّة , وحان اليوم موعد تطبيقه , وخلاصته العملية هي استقطاع جزء من واردات النفط لتذهب في مسارات بعينها تشمل مشاريع البنى التحتية العابرة للمحافظات او داخل المحافظات مثل الطرق السريعة العابرة للمحافظات وخدمات البنى التحتية للمدن كشبكات الصرف الصحي والماء وتعبيد الطرق وشبكات توزيع الكهرباء والمدارس والمدن الصناعية ثم السكك الحديد والموانيء والصحة (المستشفيات) والاتصالات والزراعة والطرق الحلقية حول مدن بغداد والبصرة وبقية المحافظات ثم المترو والقطار المعلق، وانتاج الغاز وتطوير النفط والتعاون الأمني والنقدي بين البلدين … إلخ .

وكذلك لم يكن صدفة أن يجري التصويت في مجلس الوزراء لصالح مشروع قانون مجلس الإعمار قبل السفر الى الصين بيوم واحد , فقد كانت رسالة للأصدقاء الصينيين ان القيادة العراقية جادة هذه المرة وهي تتعامل مع (صديق موثوق به يقف معكم عند الشدائد) ، على حد تعبير الرئيس الصيني “شي جين بينغ” في وصف بلده الصين وقوله لنا أيضاً :- (أعتبر أن الزيارة ناجحة بكل المقاييس وقد حققت أهدافها) , وهو يشكر العراق لدخوله في مبادرة (الحزام والطريق / Belt and Road Initiative) التي تربط الصين أو الشرق عموماً بالعالم الغربي عبر العراق بإعتباره أسهل الطرق وأقصرها الرابطة بين الشرق قديماً وحديثاً , هذه المبادرة أطلقها الرئيس (شي جين بينغ) ، في أيلول من عام 2013 . وهي تركّز على إقامة البنى التحتية في أكثر من 68 دولة من بينها العراق .

وبلغة الأرقام فهي تشمل 65 ٪ من سكان العالم ، و40 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي لجميع دول الكوكب ، كما تهدف إلى التنمية عبر البنى التحتية بمقدار يتجاوز 900 مليار دولار في هذه الدول والعراق سيكون جزءاً من هذا التكامل الاقتصادي العالمي.

اما لماذا كان وفدناً كبيراً فالجواب أن المهمة ذاتها كانت كبيرة ، وأن إنضمام المحافظين الى الوفد ، إنما لأن المشاريع المستهدفة تشتمل مُحافظاتهم ومدنهم وهم جزء مهم من السلطة التنفيذية .

ولأن الزيارة كانت طموحة ، وواعدة بسقف أهدافها المرتفع ، والمخطط له بعناية ، فقد تعرضت الى حملة من الأكاذيب وترويج الإشاعات وغيرها , و في الحقيقة هذا يوضح بجلاء ان الخاملين لم يجدوا ما يعيبونه في الاتفاق مع الصين ، سوى أن يختلقوا قصصاً غريبة ليس لها وجود في جدول الزيارة التي كانت ساعات العمل فيها تبدأ من الصباح الباكر الى ما بعد منتصف الليل بسبب سعة جدولها، ووقتها المضغوط .

بدأت الزيارة في مدينة خيفي الصينية ، وحضور المؤتمر العالمي للتصنيع بحضور كبريات الشركات العالمية ، حيث كانت الأصداء مرحبة جداً بكلمة رئيس الوزراء . ثم تبعه في نفس اليوم زيارة مصانع شركة (JAC) لصناعة السيارات ، وشركة (SUNGROW) لصناعة مُعدات الطاقة المتجددة , ثم الإنتقال إلى شانغهاي ، وزيارة شركة (SHANGHAI ELECTRIC) ثم زيارة ميناء شانغهاي في أجواء مُمطرة ذهاباً وإياباً .

ميناء شانغهاي أو (ميناء يانغشان) ، هو أكبر ميناء عميق في العالم ، ويتعامل سنوياً مع 18 مليون حاوية . وتمر عبره 40 % من صادرات الصين ، و10 % من التجارة العالمية . وهو ميناء (مؤتمت بالكامل / Completely Automated) , ووصلت أرباح إدارة الميناء عام 2018 الى 5.25 مليار دولار في السنة , وهُناك كانت للوفد مُباحثات مُهمة مع شركة عرضت تشغيل وبناء ميناء الفاو الكبير بشكل كامل ، وهي ذات الشركة التي نفذت تطوير ميناء شانغهاي الكبير .

أما الزيارة الرسمية ، فقد بدأت حال وصولنا إلى العاصمة بيجين ، وإنعقاد الملتقى الاقتصادي – الصيني ، بحضور رسمي واسع ، بالإضافة إلى مُمثلين عن 120 شركة صينية مؤهلة فنياً ومالياً من الحكومة الصينية ، والبعض منها لديها بالفعل تعاملات ناجحة مع العراق .

ثم انعقدت ورشة عمل مسائية حضرها محافظو 15 عشر مُحافظة عراقية ، بما فيها مُحافظات إقليم كردستان ، وطرحت فيها حاجة المحافظات للمشاريع والبنى التحتية .

ثم توجت الزيارة بتوقيع ثمانية إتفاقات ومُذكرات تفاهم بشأن مشاريع مُختلفة وهُناك عدد كبير من الإتفاقات لم يسمح الوقت بإتمامها ، لكنها ستتم في بغداد خلال الأيام القادمة .

ولا بُد من التذكير بأن الوفد قد توقف لفترة قصيرة في مطار (أنديرا غاندي) في دلهي ليعقد السيد رئيس الوزراء لقاءات أولية مع مسؤولين هنود رغبوا في انتاج نموذج لصندوق مُشترك (عراقي – هندي) ، على غرار النموذج (العراقي – الصيني) ، في تمويل المشاريع المشتركة.

من المؤكد أن شعبنا الكريم ينتظر أن تبدأ المشاريع على الأرض قريباً إن شاء الله , لكن من المهم القول أننا نجحنا في إنجاز نموذج (الإتفاق الإطاري / Framework Agreement) ، حول التمويل السلس للمشاريع ، والذي يُبعد العراق عن القروض المباشرة وأن يعتمد على جزء بسيط من صادرات العراق النفطية الى الصين كضمانة ، في مُقابل الضمانات التي قدمتها الصين من خلال مؤسسة دعم الصادرات الحكومية الصينية (SINOSHORE) .

إن النفط هو بمثابة (سبيكة الذهب) ، التي تجعل من الشركات الصينية وشُركائها أصحاب التكنولوجيا العالية أن يباشروا اعمالهم في العراق دون خشية من أي تقلبات سياسية او إقتصادية.سيتابع الإتفاق الإطاري ، لجنة مُشتركة عراقية صينية تحت اشراف رئيسي الوزراء في البلدين بشكل مُباشر وقد بالفعل التحضير لعقود كبيرة ويفترض بالوزراء والمحافظين قد بدأوا بالفعل ورشهم إعتباراً من اليوم لإستكمال المتطلبات العملية للمشاريع , وأن يتم ذلك بعيداً عن الروتين والبيروقراطية حيث لا مجال لضياع الكثير من الوقت بعد هذا الاتفاق المهم الذي سيوفر مئات الآلاف من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة .

التعليقات مغلقة.